وائل عبد الفتاح
هل هناك من يحاسب أجهزة الأمن فى الدولة؟
أم أنها دولة وحدها؟
أسأل فى إطار محاولة النظر فى طريقة اقتحام المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وتأمل معى بعد أن تتخلص من هستيريا المذيعين التابعين للجهات الأمنية.
1- الاقتحام تم عن طريق مجموعة مكونة من 50 فردًا لا يرتدون ملابس عسكرية، ولم يفصحوا عن هوياتهم الرسمية، وهذه مخالفة قانونية، إضافة إلى أنهم لم يعلنوا عن مهمتهم: لماذا يقتحمون؟ وبهذه الطريقة المرعبة؟ وبتوجيه فوهات البنادق إلى أفواه الموجودين؟ وبسحل من يناقشهم؟
2- حتى كتابة هذه السطور لم تعلن وزارة الداخلية الهدف من مهمتها، هذا طبعًا غير خبر فى موقع حكومى عن إذن قضائى بالقبض على محمد عادل.. هل هذه التجريدة كلها من أجل القبض على فرد واحد؟ ولماذا القبض عليه فى تهمة حولتها النيابة إلى المحكمة؟ وأخيرًا ما علاقة القبض على شخص باقتحام مكان يمنحه القانون والدستور حرمة يجرم من ينتهكها؟
3- المجموعة المقتحمة لم يعرف حتى الآن إلى أى جهاز تنتمى، وإن فهم البعض أنها «الأمن الوطنى» اسم التدليل لأمن الدولة، ذلك الجهاز الملعون، الذى كان أحد أسباب سقوط نظام مبارك.. وقد تعرف على الاسم او تم تخمينه، لأنه يعيد نفس الانتهاكات القديمة.
4- الجديد هو أن أداء هذه المجموعة الأمنية كان يعبر عن ذعر حقيقى، ورعب من عدم امتلاك القدرة كما كان فى زمنهم التعس، وكما تكشف حكايات شهود العيان والمخطوفين فى الاقتحام أن هذه المجموعات تتحرك بمشاعر انتقامية ليست واثقة من موقعها.
5- إلى متى تتصرف أجهزة أمنية وكأنها «تشكيلات عصابية» فوق المحاسبة، وغير قابلة لفهم حقيقة أن زمن الدولة البوليسية انتهى، وأن كل محاولات إرجاعها مدمرة وتقود إلى العنف وضد الأمن.. إلى متى سندفع ثمن أوهام الطيور الجارحة التى لم يبقَ لها سوى أنياب تريد الالتهام بها وشراسة المنتقم فاقد سلطاته وظله؟
نعرف وندرك أنها معركة طويلة.. عودة الشرطة إلى مكانها كجهاز تحقيق الأمن لا آلة من آلات القمع والقهر وإهدار الكرامة.. لكن يبدو أن لا أحد فى التركيبة الحاكمة قادر على السيطرة على من يحولها إلى معركة تأسيس علاقة محترمة إلى حرب يبدو فيها المواطنون أسرى فى الشوارع والأقسام لوحشية ضباط قرروا الانتقام من ثورة الشعب عليهم فى 25 يناير... هؤلاء يهمهم إعادة فرض سلطاتهم وحتى لو كان ذلك ضد الزمن، أو تفجيرًا لخارطة الطريق، أو تأجيلًا للمستقبل.
يبدو أن هناك عدم قدرة حقيقية فى السيطرة على انفلات الأجهزة الأمنية، التى تدارى عجزها فى مواجهة الإخوان بتحقيق هجمات عصابية ضد مقومات المجتمع المدنى، وكرامة المواطنين، تفعل هذا لتفرض «منطق الوحشنة الاستعراضى» بديلا عن تحقيق الأمن بداية من حماية المواطنين من اعتداءات العناصر الهوجاء من الإخوان، أو حتى حماية لضباط أنفسهم من اختراقات داخل الأجهزة، وليس انتهاءً بوقف سرقة السيارات، أو محاسبة العناصر التى هاجمت المحكمة بعد أن أصدر القاضى حكمًا ضد أمين شرطة.
يحدث انفلات الأجهزة، بينما نفس التركيبة الحاكمة ترسل رسائل رمزية هدفها ترميم ذاكرة السلطة أو تصحيح مساراتها والتصالح مع هوامشها، رسائل أوصلها منح أوسمة لرئيس مضطهد (محمد نجيب) وشريك فى يونيو 1952 أبعد إلى الظل (خالد محيى الدين) وشاعر ظل مطاردا من السلطات (أحمد فؤاد نجم).
وإذا اعتبرنا انفلات الأجهزة الأمنية، وزياراتها الليلية رسالة، فأى الرسائل يعبر عن واقع التركيبة الحاكمة؟.
نقلاً عن "الشروق"