توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بدلاً من لعْن المحاكمات

  مصر اليوم -

بدلاً من لعْن المحاكمات

وائل عبد الفتاح

يمكن أن نقولها ببساطة. ‎لا تغيير بدون عدالة انتقالية.. فالعبور من الاستبداد إلى الديمقراطية لا يعنى تغيير الحاكم، أو وجوه الحاشية، أو استبدال عصابة بجماعة، وجماعة بعصابة. ‎التغيير ليس صناديق انتخابات، بقدر ما هو تفكيك بنية استبداد حاكمة، وهذا لن يتم بمجرد تنظيف الواجهات بينما يبقى العفن يحتل البيت، ويعيد إنتاج المستبد كل مرة بوجه جديد. ‎العدالة الانتقالية هى جسر العبور من الاستبداد إلى الديمقراطية، وهى ليست، كما فهمها مسؤول كبير فى حكومة عصام شرف، مجرد وسيلة للتصالح مع رجال الأعمال الهاربين، وفى مقابلة مع نفس المسؤول كنا نقدم فيها مشروع ناصر أمين عن «العدالة الانتقالية» لم يلتقط منه إلا مادة مقاله الأسبوعى الذى كتب فيه عن المصالحة مع الهاربين. ‎يتعطل مشروع العدالة الانتقالية كجزء من عملية عرقلة أو فرملة التغيير، ولهذا كان القرار الأول بعد سقوط مبارك هو اختيار القضاء العادى لمحاكمات ما بعد الثورة. ‎القرار كان جزءًا من خطة السيطرة على الثورة (حتى لو كانت نية مساندتها صادقة ومخلصة). ‎القرار كان يعنى: وضع حصان جامح فى حلبة ضيقة، وإجبار الثورة التى غيّرت هندسة الشوارع على السير فى إشارات المرور. ‎كيف يمكن محاكمة نظام بنفس القوانين التى وفرت له الحماية الكبيرة طوال ٣٠ سنة؟ ‎وهل يمكن لنظام قضائى عاش معاناة طويلة من سيطرة مبارك وتليفوناته وأوامره وتدخلاته أن يتخلص من الميراث الثقيل فى أيام ويحقق عدالة الثورة؟ ‎المسار الطبيعى للمحاكمات هو البراءة، لأن القوانين فى عصر مبارك صُممت على حماية النظام، أو مساعدة النظام فى ترويض المجتمع. ‎واصطياد رجال مبارك فى مزرعة طرة لا هدف له إلا التهدئة، لأن الثورات لا تقيم عَدْلها بالمسار الطبيعى. ‎ولا يعنى هذا المطالبة بمحاكمات الثورة، وضرب استقلال القضاء وسيادة الانتقام بدلًا من سيادة القانون. ‎نعرف أن الثورة لن تنجح إلا بالعدالة، ونعرف أن من حق القاضى صاحب أحكام البراءات أن يعلنها بقوة: «لن أتأثر بصوت الشارع». ‎لأن التأثر فى الأحكام بصوت الشارع أو همسات (أوامر) السلطة ضد استقلال القضاء وسيادة القانون. ‎لكن الثورة ليست معركة عابرة بين وجهتَى نظر، إنها التغيير الكبير الذى يعدل كل المسارات من أجل إعادة بناء جديدة. ‎الثورة لا يمكنها أن تتوقف عند الانتقام من مبارك وكلاب حراسته القتلة وعصابته التى تشعر بالغدر، لأن جنتها سُرقت منها. ‎الثورة تحتاج إلى عدالة انتقالية. ‎وهى العدالة التى لا تعنى الانتقام، أو التطهير، ولكنها تهتم بالحقيقة، أى معرفة ما حدث، لكى لا يتكرر ذلك، وإعادة بناء مؤسسات حوَّلها الاستبداد إلى «مستوطنات عفن». ‎هى عدالة تستوعب الانفجار الكبير الذى خرج فيه المصريون يوم 25 يناير، مطالبين بدولة محترمة، يتحقق فيها «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية»، دولة لا يكون ثمن الأمن فيها كرامة، ويركب فيها القوى على ظهر الضعيف ويدفنه فى متاهات اليأس والإحباط، عدالة تستلهم الثورة لا تحاول استيعابها بمحاكمة أكباش فداء فى قضايا يظهر كل يوم أنها عشوائية وضعيفة، كان معروفا من البداية أن مصيرها هو البراءات. ‎فلا قوانين تُلزم أجهزة الدولة بالإفصاح عن الحقيقة، والأوراق فى صناديق سوداء، والحقيقة فى سراديب سرية، والعدالة تعانى من الاستبداد. ‎العدالة مفهوم أكثر تطورًا من «القصاص» لأنها تتضمن العقاب وتضمن أن لا تكرر الجريمة، وأيضا تعيد إدماج المجرم فى المجرم عبر «التهذيب والإصلاح»، أى أنها تجاوز المفهوم الأوَّلى للقصاص وتدفعه إلى مستويات تسهم فى تطور المجتمع وتحارب الجريمة. ‎والعدالة الانتقالية عرفتها بلاد أخرى عاشت لحظة التغيير الكبرى مثل جنوب إفريقيا وتشيلى والمغرب.. وكان هدفها الأول: تحقيق عدالة توفر ظروف إعادة بناء نظام جديد. ‎العدالة العادية لا تصلح للثورات. ‎والانتقام لا يحقق العدالة. ‎والعدالة الانتقالية هى منهج علمى يسهم فى هدم النظام القديم، ويمهد الأرض لنظام جديد عبر ٥ مراحل تطبق فى مؤسسات الدولة الرئيسية (الشرطة والقضاء والإعلام): ‎1- التطهير والمحاكمات: لكل من ارتكب جرائم قتل وفساد بشكل مباشر. ‎2- الاعتراف: لكى نعرف حقيقة ما جرى، ليس من أجل النميمة فقط، ولكن من أجل أن لا يتكرر ما حدث. ‎3- إعادة الهيكلة: لوضع أسس جديدة فى بناء هذه المؤسسات تسوعب العناصر كلها وفق معايير لا تحرم أحدًا من فرصة التغيير، لكنها لا تتيح له استعادة السلطة من جديد. ‎4- التعويض (القانونى والمالى والمعنوى لضحايا النظام السابق). ‎5- الذاكرة: اختيار علامات أو أماكن تذكارية مثل أحد الأقسام أو مقرات الحزب الحاكم.. لتكون، بحالتها، رمزًا كما حدث مع محارق النازى، التى تُركت على حالها لكى تراها الأجيال ولا تكررها. وأُنهى كما بدأت: بدون عدالة انتقالية.. لا تغيير. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بدلاً من لعْن المحاكمات بدلاً من لعْن المحاكمات



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon