وائل عبد الفتاح
عبد الناصر سلامة ليس صحفيًّا ولا كاتبًا، لكنه ميراث من تركة عصر مبارك، استخدمه الإخوان والمرسى، وها هو يقدم خدماته لمن يهوى فى تركيبة 30 يونيو.
و«الأهرام» لم تعُد صحيفة كما نعرف الصحف، لكنها معرض هذا الميراث وإعلانه الدائم عن وجوده، وبما أنها الفرع الرئيسى لهذه المعارض فإنها لا تهتم بفنون الصحافة وصناعتها قدر اهتمامها بتوليد نماذج مثل الأستاذ عبد الناصر الذى لا يختلف عن أسلافه من إبراهيم نافع وحتى أسامة سرايا، فهم حراس فى كتائب السلطة أو مَن يجلس على كراسيها، ولأنهم حراس فاشلون فإنهم لم ينجحوا فى حماية مبارك بالقدر الذى فشل فيه خليفتهم فى الملاعب عبد الناصر سلامة فى حماية المرسى... وهذا ما يجعل استمراره نذير خطر على تركيبة 30 يونيو، فالأستاذ يبحث عمَّن يحرسه ويعيد إنتاج نفس المنتجات الرديئة مع تغيير الأسماء والتواريخ... ولا مانع لديه من إعادة إنتاج ما كُتب حين خاف المرسى على كرسيه من احتفال الثوار فى 25 يناير فى مناسبة أخرى هى الاحتفال بذكرى محمد محمود.
الرداءة ليست مهمة لأن الجيل الجديد من الحراس الصحفيين لم ينجحوا إلا فى فض الجمهور عن السلطة، هم شركاء فى الفشل... أو بمعنى أدق هم فاشلون فى الحراسة لا الصحافة، فاشلون فى صنع خطاب تهيمن به السلطة على جمهورها باعتبار الهيمنة هى الجناح المصاحب للسيطرة فى إدارة الدولة.
للأستاذ عبد الناصر روائع فى صنع الفتنة وتوجيه سهام منتهية الصلاحية لخصوم النظام، لكنه الآن يلعب فى المنطقة الخطر حيث وجوده دليل على محاولة جناح فى التركيبة الحاكمة إعادة إنتاج مباركية دون مبارك.
مَن منكم مبارك ليخدمه الأستاذ عبد الناصر؟
مَن منكم يتخيل أن هذه المنظومة بتركتها الفاشلة يمكن أن تكون عنوانًا للتغير والانتقال الديمقراطى؟
مَن منكم لا يرى أن الحفاظ على هذه الصحف، التركة الفاشلة، يمثّل سلاحًا فاسدًا؟
أليس لديكم سوى هذه المعارض لبضاعتكم السياسية؟ هل لديكم بضاعة مختلفة أصلا؟
مانشيت «الأهرام» حول ذكرى محمد محمود يقول بوضوح إن بين الطابور الخامس والإخوان مخطَّطًا لإشعال الفوضى فى 19 نوفمبر.
هل مصلحتكم فى وضع المختلفين مع طريقة إدارة المرحلة الانتقالية، أو نُقَّادها، أو الحريصين على الديمقراطية مع الإخوان؟
هل تشعرون بالخطر فعلًا فتمنحون الإخوان ما لا يحلمون به، وتتصورون أن تخويف وترهيب كل مختلف سيمنح قوة للمسار الانتقالى؟
ما تفعله سلالة الحراسة الصحفية لا يؤكد فقط وصول الصحف المملوكة للدولة إلى وضع «اليأس المطلق»، لكنه يشير إلى عجز يدفع القوى التقليدية فى تركيبة 30 يونيو إلى تشغيل خطوط الإنتاج المتهالكة، وهذا ليس سوى انتحار سياسى... أو سير باتجاه الحائط.
لم يعُد أحد يقرأ هذه الصحف، كما أن شاشات السلطة لا يراها أحد، إنها حضَّانات لسلالات انقرضت مع انقراض الاستبداد فى العالم، لكنها هنا تجد من يصرف عليها، ويثقل بها ميزانيات الدولة لتقدم هذه الصحافة السوداء التى تنشر العمى مع دقات الطبول العالية للسلطة.
والأكثر ماسأوية أن هذه الصحافة لم تطوِّر إيقاعات التطبيل، لم تفهم أن الدنيا تغيرت، أى أننا لا ندفع من ضرائبنا فاتورة الدفاع عن السلطة، ولكن فى حرب الفاشلين للحفاظ على مواقعهم.
إننا فى الحقيقة ندفع مرتَّبات لمن يهدمون الإمكانية الوحيدة لإنقاذ دولة يدقُّون طبول الرعب على مصيرها.
نقلاً عن "التحرير"