توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس مجرد نفاق عادى

  مصر اليوم -

ليس مجرد نفاق عادى

وائل عبد الفتاح

هل أنت سعيد لأن القناة منعت برنامج باسم يوسف أم أنك ترى أنها صدمة، فضيحة، جريمة تكشف من يبرر القمع؟ منْع البرنامج كان كاشفا لأزمة كبيرة فى الإعلام المصرى، أزمة موروثة من بنية نظام يرى فى الإعلام أداة ترويض«للشعب»، وترويج «للثقافة السائدة». مكان الإعلام لم يتغير وكان إرشادا مع النظام الاشتراكى (أو مع رأسمالية الدولة…) وحساسًّا للاقتراب من الخط الأحمر لمبارك وعصابته عندما دخلنا عصر (السماوات المفتوحة). النظرة واحدة، الإعلام كتلة واحدة يديرها مملوك خاص فى السلطة (يفهم طبيعة المرحلة، من عبد القادر حاتم إلى صفوت الشريف وانتهاءً بأقلّهم إدراكا أنس الفقى) ويتابعها مندوبون للسلطة (ضباط، رؤساء تحرير، أصحاب محطات تليفزيونية). المهم أن السلطة لها مفتاح فى كل وسيلة إعلام، وهذا شرط الاستمرار، وكان نقد السلطة قبل ٢٥ يناير مغامرة، كانوا يظنّون أنها محسوبة (أى تستغلها السلطة لتضبيط مكياجها الديمقراطى) لكنها أفلتت منهم وذهبت إلى أبعاد غير محسوبة بالنسبة إليهم (فالسلطة وصلت إلى شيخوخة وعملية نقل السلطة من الأب إلى الابن واجهت معوقات ومؤسسات عميقة فى دفاعها عن المصالح العليا للدولة). لم تحسب السلطة جيدا ما سيفعله الإفلات فى المغامرة أو ما سيفعله فتح القبضة الحديدية قليلا، فالتحم الإعلام المسيطَر عليه مع شحنات هادرة قادمة من الإنترنت «النيوميديا» وأدوات التواصل الاجتماعى بما تحمله من حرية تفوق قدرات الأجهزة الرَّثَّة للمراقبة أو السيطرة. هذا اللقاء تحوَّل بعد ٢٥ يناير إلى محاولة من الجسم القديم للإعلام لاحتواء الروح الجديدة، وهكذا كانت رحلة باسم يوسف من الإنترنت إلى التليفزيون، بما تقاطعت معه من رغبات وطموحات أولا باتجاه تحرير الإعلام من إدارته القديمة، حيث كان الريموت كنترول فى أمن الدولة، حيث كاد الضباط يتحولوا إلى معدّين لبرامج التوك شو بها، يديرون أو يتحكمون فى إيقاع الغضب والطاعة. الطموح لتفكيك «الإعلام الموجَّه فى سوق مفتوح» لم يكن وحده، كانت هناك طموحات من غزاة الدولة الإسلاميين فى السيطرة على المواقع وخروجهم من حيّز الهامش إلى المركز لإعادة تشكيل وعى ووجدان المشاهد بما يلائم تدمير الدولة الحديثة لتدخل مرحلة «دولة الخلافة فى ثوبها المعاصر». والطموح الثالث كان فى اتجاه ثالث يسعى لشغل الفراغ الذى اتسع بعيدا عن قبضة الدولة القديمة، بمصالحها المالية وتركيبتها الاجتماعية والثقافية. الطموحات الثلاثة عملت معًا على العنصر الجديد، الحرية التى وصلت إلى حدودها القصوى فى لحظات الصراع مع الغزاة القادمين من عالمهم الافتراضى وخارج منصاتهم التقليدية. فى كل هذا لم تتغير بنية الإعلام ولا موقعه، لكنه فقد المملوك الفاهم ومندوبيه المحترفين فى الإيقاعات، حاولت الشؤون المعنوية فى عصر المجلس العسكرى وفشلت، وحاولت المجموعات الإعلامية المحيطة بالمرسى وفشلت أيضا، حيث فقدت التليفونات فاعليتها، ولأنه لم يتشكل «مركز» جديد للنظام فإن أصحاب المال فى المحطات بالذات ارتبكوا: هل يرتِّبون مصالحهم مع المرسى وجماعته أم ينتظرون نتيجة المعركة، هذا الارتباك كان بدرجات وحسب قرب مالك المحطة من مؤسسات يظن أن المفتاح فى النهاية معها. بمعنى ما فإن الدولة النشيطة فى تجديد أدوات سيطرتها، غيَّرت شكل مِلكية الإعلام ليبقى أداتها، ومع انتقال ملكية الحكومة إلى القنوات الخاصة، فإنه كان انتقالا تحت السيطرة لأنه وضع شرطا فى الملكية يضمن فلترة، وثقة إلى حدود أن أصحاب المحطات كانوا موظفين عند حاشية مبارك، أو من النوع الذى يسمى رجال أعمال وهو مجرد شخص حصل على تصريح بجمع الثروات من مبارك، يعرف أنه ولىّ نعمته. ومع غياب مركز/ ولىّ النعمة، صعد الإعلام وهبط فى موضوع الحريات، إلى أن تصورت بقايا الدولة القديمة أن ٣٠ يونيو هو أوان ترميم الدولة القديمة، وإعادة دوران ماكيناتها كما كانت، وجرى البحث هنا فى الإعلام عن مركز يضمن المصالح، ويكون هو الخط الأحمر، وتصورت المحطات أن خطتها الآن هو بناء المركز الذى يحمى مصالحها، وتحميه برسائل إعلامية تعيد زهوة «الترويض/ الترويج». وهنا تصادم القادمون من عالم «النيو ميديا» بحريته، وطموحاته، مع العائدين إلى دولة السيطرة بإرشادها وتصنيعها مركز نظام مملوكى جديد. هذه محاولة لتخيُّل نوع التصادم بين برنامج باسم يوسف وقناته، خصوصا أنها واحدة من قنوات هدفها فى المرحلة القادمة سيكون هدفها السيطرة على التغيير لكى لا يصل إلى حالة تكوين نموذج جديد فى المنطقة. وهذا ما سيفعله هجوم الأموال الخليجية، السعودية والإمارات، وقبلهما ومعهما قطر على الإعلام فى مصر. وهذه حكاية أخرى نكملها فى وقت لاحق. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس مجرد نفاق عادى ليس مجرد نفاق عادى



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon