توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ساعة الحظر

  مصر اليوم -

ساعة الحظر

وائل عبد الفتاح

‎القاهرة موحشة. فارغة كأنها ابتلعت سكانها. العدو الأليف يقتحم المدينة. يخرج هاربًا/مجروحًا/ضحية من مستعمرته (فى تقاطع رابعة)، لينتقم من الجميع ويحرق المدينة. ‎لم يرَ أحد أسرار مستعمرة رابعة. أسراب الضحايا أثقلت العين والقلب والروح، لكنها لم تزل الشعور بالخطر. والجنرالات الطيبون أصدروا قرار حظر التجول لتبتلع القاهرة أهلها وتترك عدوّها الأليف وحده فى شوارع تبدو كمكان حرب لم تحدث/لم تكتمل. ‎قرار الحظر هذه المرة مختلف. ساعات الليل قصيرة، لكنها طويلة. فى الحظر الأول بعد اختفاء الشرطة فى 28 يناير لعبت المدينة مع فراغها. استثمرت فى علاقات اكتشاف للشوارع والجيرة. والاستمتاع بالكسر الجماعى للحظر.. ساعة لا تعوّض، التمرد فيها مصحوب بالقوة/والتمرد وليس الخوف والرعب من أعداء يسكنون داخلنا/بجوارنا/تحت جلد نفس المدينة. ‎كنا نسخر بتكرارها «ساعة الحظر ماتتعوضش».. استمتاع طفولى بكسر الأوامر. والخروج من التربية العاطفية صنعتها ماكينات الترويض.. العمومية. .. الماكينات تمتص العصير من البرتقالة لتتحول إلى برتقالة بلاستيك، تشبه البرتقال، لكنها ليست إلا «برتقالة آلية..» كما سمّيناها فى فيلم ستانلى كوبريك. ‎ماكينات محترفة فى صناعة قطيع من «الآليين» منزوع منهم حق الاختيار، يسيرون وفق كتالوج من القيم والأخلاق والمشاعر يجعلهم مثلًا يخافون من قرار إنهاء حظر التجول، لأن هذا يعنى أنه سيكون أمامهم الاختيار، وهم تعوّدوا على الخضوع للأوامر والتعليمات. ‎كوبريك حكى عملية تحويل «اليكس» من زعيم عصابة ليلية إلى مواطن طيب يكره العنف، عبر ماكينات ترويضه فى السجن، أفقدته «حق الاختيار»، هل تغيّر الشاب المتمرد؟ أم أن إرادته سلبت ولم يعد أمامه إلا السير فى «الطريق الصحيح» من وجهة نظر المروّض..؟ ‎كان هؤلاء يشعرون بالأمان فى ظل حظر التجول، لأنه قرار بمنع الاختيار، والسير حسب تعليمات سلطة عليا، خبيرة فى برمجة البشر داخل مصانع عملاقة، لها أفرع فى كل مدرسة وبيت، لكن معرضها الرئيسى فى التليفزيون، مروّض الشعوب الأول. .. التربية هنا هى نزع حرية الاختيار، وتصنيع شخص لا يختار الأخلاق الرشيدة، لكنها تُفرض عليه، لا يتحمّل مسؤولية أفعاله، لكنه يسير حسب خط سير القطيع. ‎لا عواطف شخصية ولا حق فى الاختيار، ميزة الإنسان الأولى، لهذا يرفض البعض إلغاء الحظر، كما يحبّون الرقابة، ويبكون عندما يظهر مبارك فى خطابه العاطفى، ويلغى به كل إمكانية للتفكير، ويوقظ التربية الآلية، فالرجل الكبير يكاد يبكى، وهذا يكفى. ‎لا أحد يفكر فى استبداده، ولا فساده، المهم أنها صورة تثير الشجن، وتحرّك العواطف الآلية، والديكتاتور يعرف مفاتيح الترويض. ‎العواطف جاهزة، والدموع مبتذلة تتحرك كأنها مكتوبة فى نص لا يراه صاحب الدموع، لكنه نص مكتوب من زمن طويل، تستجيب فيه العواطف إلى إكليشيهات محفوظة وجاهزة وتعاد كأنها سر الكون. ‎كتالوج ترويض لا يفكر الملتزمون به مرة واحدة فى أنهم محرومون من الاختيار، وكل محروم من الاختيار هو عبد يسير فى طريق واحد منزوع منه روح التمرد، وممنوع عليه التفكير فى ما يراه. ‎كيف يمكن البكاء على ديكتاتور قتل وسرق؟ ‎كيف يمكن أن تبرر مذبحة لتعيش آمنًا؟ ‎كيف تتصور أن مَن ارتكب مذبحة مع خصمك لن يكررها معك؟ ‎كيف يمكن أن تتعاطف مع ضحية كان سيقتلك؟ ‎كيف تفهم أننا نعيش لحظة مركّبة لا فيلمًا عربيًّا يحارب فيه الملائكة الأشرار؟ ‎كيف يمكنك الموت/أو القتل فى سبيل عودة ديكتاتور فاشل إلى كرسى فقد شرعيته؟ ‎وكيف يمكن إجبار زوجة على الحياة مع زوج لا تحبه فقط لكى تحافظ على صورة العائلة؟ ‎وكيف يمكن إجبار شاب على دراسة لا يجد هواه فيها، لأنها ستحقق أحلام أبيه؟ ‎.. هل الأمان فى الحظر أمان؟ وهل الأخلاق عندما تكون مفروضة بكتالوج العواطف الجاهزة أخلاق؟ ‎.. فى المرة الأولى كانت «ساعة الحظر ماتتعوضش».. لأنها ساعة التمرد على قوانين البرتقالة الآلية.. أما الآن فساعة الحظر طويلة/مرعبة، لأنها أخرجت القتلة من تحت سريرنا. نقلًا عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ساعة الحظر ساعة الحظر



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon