وائل عبد الفتاح
كانت الأصنام قد تربعت على قواعدها.
نعم أصنام معاصرة تحكم حياة الناس بسلطويتها المسحورة، القادرة على ابتزاز ملايين المؤمنين بالدين أو بأنهم بعيدون عن الإسلام، هؤلاء الذين يمتلكون «بنّورة السحر الجذابة» يرون فيها صحيح الدين، وحدهم، ويرون أيضًا كتالوج الحياة الصالحة، ويحملون طلاسم مكتوبا فيها منذ ١٥٠٠ سنة حلول المشكلات الراهنة.
طلاسم وسحرة وأصنام، ذلك ما كنا نعيشه قبل ٣٠ يونيو بقليل..
وذلك ما انكشف كله أمام مجتمع قرر إنهاء حالة الشعوذة وخرج فى مشهد أسطورى (أسطورة تكسُّر البنورة).
الخروج التاريخى ضد «دولة الفقهاء» لا يمكن اختصاره فى «انقلاب عسكرى» أو «جمهور مشتاق إلى الكاكى..».
الخروج فى ٣٠ يونيو عصىٌّ على اختصار من هذا النوع، لأنه ببساطة ثورة على سلطة أرادت أن تمد الجسور بين الاستبداد الأرضى وبين السماء، ونشرت وعيًا بأن الإيمان يعنى استعباد الناس «عبر السمع والطاعة، وتكفير المعارضين، واعتبار الجماهير الثائرة ضدهم خارجين عن الدين».
وأتذكر هنا إعلان شركة سياحة روَّجت فيه لرحلة عمرة بأنها بصحبة نجمين من نجوم السلفية: نادر بكار وأحمد خليل. الأول وجه جديد ظهر بعد الثورة، ليحل محل وجوه المحاربين القدامى من موديل عبد المنعم الشحات (تقريبا هو من حل محله فى حزب النور) والثانى يدرس الإدارة فى كلية الشريعة (بجامعة الأزهر).. هما «نجوم» صحبتهما فى رحلة العمرة ميزة وجائزة.
هى لحظتهما الحرجة، التحول من كوادر فى ظلام جماعات تعمل تحت الأرض وفى قبضة جهاز أمن الدولة، إلى نجوم يحتلّون مكان ودور دعاة سابقين (مثل صفوت حجازى وخالد الجندى وغيرهما) كانوا يلعبون دور المرشد السياحى لزيارة الأماكن المقدسة.
المسافة هنا قصيرة جدا بين الداعية الخارج من ظلام العمل السرى ومندوب الدعاية والتسويق بهندمة موظفى شركات الإعلان، وابتسامتهم، وفلاتر كاميرات التصوير التى ترسم الصورة بنقاء وفتنة العارضين. لكن ماذا يعرضون؟ وما سلعتهم؟
هل هى العمرة (كرحلة سياحية) أم هم أنفسهم (كموديل عصرى للسلفى)؟
الإعلان مدهش لأن الشركة التابعة لحزب النور (حزب النجمين) بدت تدشينا أقدم لدخول السلفية إلى عصر الاستهلاك بما يستلزم ذلك من وجوه جديدة، خفيفة، تتحول إلى نجوم، التى فى أحد تعريفاتها: أوثان العصور الحديثة.
وثنية تروّج للإسلام؟
على ما يبدو أن هذه مفارقات الخروج من الكهوف، فى تيار يبدو كل ما لديه رقعة كبيرة مرنة يمكن تجهيزها حسب طلب الشخص أو المجتمع.
السلفية هنا فضفاضة يمكنها أن تسلّع الفريضة المقدسة فى نفس الوقت الذى يصرخ فيه نائب (من نفس الحزب) فى مجلس الشورى مطالبا بإلغاء الباليه باعتباره فن العُراة.
وكما أن ترويج «الوثنى» للعمرة لم يتعارض مع حرب السلفية على الأضرحة والأولياء باعتبارها رموزا «وثنية».. فمتى يمكن للسلفى أن يرقص الباليه؟
نقلاُ عن "التحرير"