مصر اليوم
انقلاب أم ثورة؟
كان أول سؤال بعد الفرح أحاول الإجابة عنه.
وكتبت سريعا «بعد أقل من ساعة» فى صحيفة «السفير» أنه لم يعد لديهم (المرسى وجماعته) غير الراعى الأمريكى يحاولون معه إحياء «شركة الحكم».
مرسى ظهر فى فيديو متلفز بعد إذاعة بيان إزاحته، يكلم (راعيه الأمريكى وبقايا جمهوره)، ويحاول الدفاع عن كرسيه إلى آخر مدى (الدم..) ويمارس ابتزازا «هو أصل الفكرة والدعوة والتربية العقلية» يختصر ما حدث فى أنه انقلاب عسكرى.
الترتيبات تأخرت لكى لا تظهر علامات قد توحى بأنه انقلاب، وعلى عكس ظهور المجلس العسكرى بعد تنحِّى مبارك، وطبيعته العسكرية، فقد ظهر الفريق السيسى وسط ما يسمى كلاسيكيًّا قوة مصر الناعمة (أزهر/ كنيسة/ قضاء/ شباب.. وقبلهم نساء ومثقفون) وهى القوة التى كادت تختفى كلها فى ظل طغيان حكم الجماعة.
كان هؤلاء يعلنون انتصار الشعب/ المجتمع على الجماعة، ويتخلص من حكم الفاشية الدينية، بينما الجماعة/العصابة تواجه مصيرها كقبيلة ملعونة، مطارَدة، ليس أمامها إلا تحريض جمهورها من الانتحاريين لإشعال الاقتتال الأهلى، أو لتحريض العالم على مَن ثاروا على حكمهم.
رواية الإخوان ستقود رواتها إلى السجن، حتى مرسى نفسه تنتظره محاكمة على جرائم قد تصل إلى الخيانة العظمى (بتعريضه السلم الاجتماعى للخطر وتحريضه على العنف واتصاله بإرهابيين فى اتصالات مرصودة بالفعل).
مرسى ظل يفاوض طويلا على مصير مكتب الإرشاد، لكن الأوامر صدرت بمنع ٢٧٠ من قادة الإخوان والمتحالفين معهم من السفر، تمهيدا للسيطرة عليهم، وتقديمهم إلى محاكمات على أطول سنة فى تاريخ مصر.
وإذا تأملنا ما حدث سنرى أن السقوط كبير.
ليس رئيسا أراد تأسيس ديكتاتورية بائسة.
ولا جماعة احتلت دولة وأرادت إعادة بناء ديمقراطيتهم المستبدة..
لكنه سقوط مشروع دولة الفرعون الإسلامى.. وإعادة «الخلافة» وسلطة الفقهاء.
محمد مرسى فى ٣٦٥ يوما أنهى مشروعا ظهر فى مصر منذ ٨٥ عاما وصدَّرته إلى العالمين العربى والإسلامى، ثم أسقطته مصر أيضا بخروج أكثر من ٣٣ مليون مواطن، أى أسقطه المجتمع لا السلطة المنافسة.
التنظيم الذى عاش بأسطورة المضطهَد من دولة الجنرال أراد خطف موقع الجنرال وإقامة دولته، لتكون مقدمة لدولة الشيخ/ الفقيه، فقد كل هذا الآن فى مواجهة جماهير خرجت كما لم تخرج من قبل لتعلن كونها شعبا.. لا قطيع ولا رعية.. جماهير ترفض فخ الهوية المغلقة/ هوية التمييز على أساس دينى، الخروج الكبير رمَّم شرخًا فى الذات الجماعية للمصريين، وأنهى عقودا من الابتزاز باسم الدين، وسلطة مهاويس الفاشية الدينية، هؤلاء الذين استثمروا وديعة مبارك (الجهل + التخلف + الفقر) لتكوين قطعان من المؤمنين بأن الدفاع عن كرسى مرسى دفاع عن الإسلام.. هؤلاء كانوا آخر حائط بشرى أقام بجوار مسجد رابعة العدوية فى أقصى درجات البؤس الإنسانى ينتظرون ظهور جبريل «عليه السلام» وأوباما فى يوم واحد.