وائل عبد الفتاح
لم أجد غير هذه المقالة القديمة لتكون دعوة إلى التفكير فى مفاهيم مستهلكة سخيفة عن الرجولة والأنوثة.
وهى مفاهيم أراها ترتبط بالحياة وبالتناقضات اليومية التى نعيشها كل يوم. ومناسبة الموضع هى صفعة رشا عزب للصبى السخيف أحمد المغير.
الصفعة هى جزء مما يستحقه الصبى على أفعاله «تحريض ضد الثوار وإرشاد القناصة والقتلة عليهم، إضافة إلى خطابات سمجة كاشفة عن عُقد تخص أشياء متعددة من بينها الرجولة».
وبعيدا عن الموقف من الصفعة واستحقاق أحد صبيان الجماعة الحاكمة لها.. توقفت أمام ردود الفعل حين اعتبرت رشا «رجلا» أو «أرجل من ١٠٠ راجل» وهو تصور يرى الرجولة ميزة فى حد ذاتها.. كما أنه يرى المهزوم أنثى «عادت حاملا لجماعتها».
اعتبار صفعة رشا رجولة، نوعا من الذكورة المعكوسة يلتقى عندها المعقدون برجولتهم أو الذين تختفى تحت قشرة الجنتلمان التقدمى ذكورة مؤرقة.
كما أن اعتبار الأنوثة رمز احتقار وإهانة وتصغير هو معكوس القيم التى يؤمن بها الصبيان ومن يحركهم.
وفى تداعى هذه الأفكار وجدت مقالتى القديمة ورأيت وضعها فى سياق الحوار المتعلق بثوراتنا الشخصية على أفكار نتركها مركونة أو مكبوتة، لتخرج وتعمل كأنها حقيقة مطلقة أو مسلمة لا يمكن مراجعتها، ولأن الثورة هى تفكيك المسلمات فهذه هى المقالة:
«ليس مهمّا هنا أن ما يقوله الشيخ خرافة.. أو أساطير ترضى جمهورا مشغولا بالخيالات الجنسية.
فى الفيديو يقول الشيخ خرافات كاملة عن القوة الجنسية للنبى.. ويصل إلى أنه بقوة ٤٠ ألف رجل.. بعد أن يروى حكايات لا أعرف من أى كتب صفراء أخرجها عن فانتازيات جنسية يسقطها هو على حياة النبى. ليس مهمّا مساحة الحقيقة والخيال.. الواقع أو الهلاوس التى ترى أن النبى ينام مع زوجاته التسع فى يوم واحد. وأى مسلم يمكنه اكتشاف بسهولة أن الشيخ فقد طريقه الصحيح إلى مهنته، وجلس على منبر المسجد. لكن المهم أن هناك خيالات تحتاج إلى هذا النوع من الفانتازيا الجنسية.. وهذا نوع من الرجولة المتخيَّلة يتغير حسب المزاج الاجتماعى والواقع السياسى. الرجولة المتخيلة الآن تختلف عن الرجولة فى عصور أخرى.. ولهذا ومع ازدياد مساحة الكلام عن الإسلام والصيحات المدافعة.. والحناجر الملتهبة.. تنتشر حفلات التحرش.. وتنتشر استعراضات الذكورة المريضة.. بالتعدى على النساء لفظا أو تقطيعا فى السيرة. إنها رجولة الاعتداء على النساء، والانتصاب من أجل أن يعُدن إلى عصر الحريم. وفى كتاب صدر قبل سنوات تحت اسم «الرجولة المتخيلة» (دار الساقى) قرأت دراسة لباحث أمريكى هو والتر آرمبروست المهتم بفكرة الثقافة الشعبية فى مصر من خلال الموسيقى والأفلام. عنوان الدراسة: «فريد شوقى: فتوة، رب عائلة، نجم سينمائى»، ويشير فيها إلى أنه قبل الخمسينيات كانت (الشخصيات الرجولية ترتبط عادة بنمط الحياة البرجوازى، على الطريقة الغربية. وكانت الشخصيات المتأنقة هى السائدة حتى عندما كان مطلوبا منها فى بعض الأحيان أن تبذل مجهودا عضليّا أو حتى أن تخوض معارك…».
لكن مع تبلور شخصية فريد شوقى الشعبية على امتداد عقد الخمسينيات (كانت شخصياته خشنة ونشيطة جسديّا. وقام كنجم سينمائى بدور ميكانيكى السيارات والصياد والجندى والعامل اليدوى. وكانت هذه الشخصيات موجهة عمدا إلى الجمهور «الشعبى» أو جمهور الطبقات الدنيا). يمكن أن ندرك هذا بقليل من الخبرة فى السينما المصرية التى قدمت فى سنوات التحوّل مع يوليو 1952، انتقالا مدهشا فى أبطالها. استدعت الممثلين الأكثر تحقيقا لصورة البطل الشعبى، الأقرب إلى الفتوة، الشهم، الرجل المدافع عن الشرف، الذى يوفر الحماية للمرأة المنتظرة فى البيت».
نقلاً عن "التحرير"