توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أن تكون خائنًا لأحلامهم عنك

  مصر اليوم -

أن تكون خائنًا لأحلامهم عنك

مصر اليوم

ولد إبراهيم منصور عام 1937. عائلته من البرجوازية المستورة. أبوه أنهى حياته موظفا كبيرا فى وزارة التعليم. قطع رحلة حياته من مدينة المنصورة إلى شبرا ومنها إلى المعادى. كل مرحلة هى علامة على خطوة فى طريق الصعود. والمكتبة كانت عامل اختلافه الحقيقى عن أقرانه. الاختلاف كان ملحوظا أكثر فى موقفه المحايد من ذوبان إبراهيم فى تنظيمات اليسار تحت الأرض.. وعندما اعتقل فى حملة 1959 لم يكن فى البيت غير خوف الأم وإعادة لحكاية الضابط الذى جاء يبحث عن المشاغب السياسى الهارب.. وأقنعته الأم أنه خارج المنزل.. بينما هو ينام تحت سرير شقيقته الصغرى. من هذه الأيام اكتشفت العائلة أنه «خائن» لأحلام الطبقة الوسطى و«متمرد» بفوضوية على المؤسسات التقليدية فى التعليم والوظيفة والعائلة. ذهب إلى كلية الآداب بالصدفة. كان طابور كلية الحقوق طويلا. (تحت إلحاح ورغبة الأب عاد إلى الحقوق وتخرج عام 1958). لم يكن موظفا أبدا. عمل مراسلا صحفيا (السفير اللبنانية) وكاتبا بـ(الوطن الكويتية).. ومترجما فى صحف ومجلات.. اختار أن يعيش «على هواه» يقرأ ويستمتع بالموسيقى.. والسينما.. وجلسات الأصدقاء.. أحيانا يفكر فى مشاريع (أبواب خارج نمط الصحافة التقليدية فى مجلات أو سلسلة كتب).. هو أيضا مستشار ومرجعية وشريك فى أى عمل منفلت خارج القوالب المستهلكة.. يكلمك فى الصباح ليحرضك على اتخاذ موقف ضد فعل فاضح من السلطة السياسية أو الثقافية.. صوته واثق متحمس.. وفى الليل يكون الأول فى السهرات اللطيفة.. السياسة ليست بديلا عن الاستمتاع.. والمتعة ليست ضد أن تكون صاحب موقف. كان من السهل أن يصبح إبراهيم منصور من أصحاب الكهنوت فى الوسط الثقافى الذين يعرفون كل شىء ويضعون له عادة مقدسة: هكذا تشرب القهوة.. وهذه هى الكتب التى تقرؤها. وهذا هو الموقف الملائم. هكذا ينام المثقفون مع العشيقات المثقفات وهكذا يتزوجون من قريبات. عادات مقدسة من الكتابة والتفكير حتى الحب والبيرة. وفيها جميعا يتمتعون بممارسة ازدواجية مبهرة لا تزعجهم أبدا. بل ويعتبرونها: علامة على المثقف.. لكن إبراهيم كان يفلت ويخرج.. وتجده حيث تقوده بوصلة خاصة يكتشف فيها الموهبة.. ويسير فيها خارج الكهنوت. لا شىء سوى طاقة هائلة تنحاز لموقع الرافض للسلطة فى كل أشكالها.. والمنجذب للتمرد.. والكاره للألعاب الصغيرة.. هذا كان عالمه «المثالى». لديه قدرة على مطاردة المتع أينما كانت، لكنها مطاردة أرستقراطية وليس على طريقة حانوتية الأرياف. يتخذ موقعه فى قيادة الانقلابات الثقافية.. كتب قصة وحيدة (اسمها: اليوم 24 ساعة.. هناك قصة أخرى غير مشهورة) لكنه صار مبشرا وداعية لجيل الستينيات فى الأدب كما ظهر فى المجلة الشهيرة: «غاليرى 68».. لم يحتل موقعا حزبيا، لكنه ترجم أحد أهم الدراسات المنشورة عن اتفاقية كامب ديفيد، وجمع كل الوثائق التى لم تنشر فى مجلدين، صدر عن «كتاب الهلال» لكن لم يعاد نشرهما مرة أخرى. فى أبريل 2002 أعلنت مجموعة من المثقفين: الإضراب عن الطعام والاعتصام حتى تقرر الحكومة طرد السفير الإسرائيلى.. وإغلاق السفارة التى تطل من الدور الرابع عشر على نيل القاهرة. بدأ الإضراب فكرة مجنونة من إبراهيم منصور. والعجيب أنه أول من أصر على فكرة الإضراب عن الطعام واختيار هذه الطريقة فى التعبير عن الاحتجاج على الرغم من أنه الأكبر سنا. العمر لم تغلبه الحماسة التى أصابت عدواها آخرين.. وهى طريقة ينفذ بها عادة أفكاره التى تقترب أحيانا من حدود الفورات الانفعالية.. يحكون عنه طرائف من هذا النوع، أشهرها طبعا ما حدث عشية توقيع كامب ديفيد عندما دخل على المثقفين الملتفين حول الطاولات فى مقهى ريش الشهير يطالبهم بالخروج فى مظاهرة احتجاج على تصرفات الرئيس.. وجمع تبرعات رمزية لشراء قماش اللافتات.. وكتب الشعارات فى المقهى نفسه.. وسرعان ما تسرب رجال المباحث إلى المكان وخرج الجميع من باب المقهى إلى سيارات الشرطة المنتظرة بالخارج.. هو أقرب إلى تصرفات الزعيم كما عرفته الستينيات.. لكنه يختلف عن الزعماء من هذا النوع بأنه أمْيل إلى الثقافة.. وأكثر لطفا.. ولا يعتنى كثيرا بالتوازنات والحسابات المعقدة لوجود الزعيم فى الساحة السياسية.. والأهم أنه بلا أتباع ولا جماهير.. فقط أصدقاء ومحبون تثيرهم حماسته.. وتغيظهم عصبيته إلى حد الغضب. وها هم يسيرون فى جنازته يبحثون عنه ليحرك طاقة السخرية ويفلتوا بالجنازة من إيقاع الموتى العاديين! نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تكون خائنًا لأحلامهم عنك أن تكون خائنًا لأحلامهم عنك



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon