توقيت القاهرة المحلي 05:46:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في النرجسية الحاكمة

  مصر اليوم -

في النرجسية الحاكمة

مصر اليوم

  ماذا يحدث لمن يصل إلى السلطة؟ هل يدخل فضاء سحريا يبدّل كيانه ويحوله إلى كائن سلطة؟ قلة الكفاءة أعادت الدولة فى مصر إلى عصورها البدائية، حيث الأساسيات صعبة من أنبوبة الغاز إلى الطريق الآمن، والتصورات السلطوية أيضا أعادت المرسى وفرقته كلها إلى ما قبل الدولة. المرسى وفريقه من فصائل إلغاء السياسة، يستبدلون بها سلطتهم المعنوية السابقة، ويكاد يكون شعارهم «مادمنا فى الحكم فهذا هو الحل». نرجسية ترى الديمقراطية وسيلة لوصول الحكم إلى مستحقيه، وهم بالطبع مستحقوه، ومجرد وجود كل هؤلاء الرجال الطيبين فى موقع السلطة، فإن الخير تحقق. ليست ديمقراطية، إنها «بيعة» وليست عقدا سياسيا مشروطا وفق قواعد تجعل الفرد وسعادته هى الهدف. الفارق هنا أن هذه النظرة (السلطوية) تجعل الحاكم الفرد هو المعيار والإله الذى تسير بإرادته الدولة. يسمون هذه الإرادة «هيبة» كنوع من النفاق الرخيص، لكن معناها ومضمونها أن الرئيس هو المتحكم فى هذه الماكينة، سيدها الوحيد وهذا ما يجعلهم يندهشون من الاعتراض على رغبات المرسى وفرقته السلطوية، فهذه هى الطريقة الوحيدة لممارسة السلطة «والوقوف ضدها ليس إلا مؤامرة (بالأصابع أو من غيرها)». لا يعرفون أن هناك سلطة دون تسلط، ولا حكم دون ديكتاتورية، ولا مسؤولية دون استبداد، هذا ما فى عقولهم وأرواحهم فهم ليسوا حكاما، لكنهم «رسل» يستمدون شرعيتهم من السماء (لهذا يقولون إن حكم المرسى ربانى) ومعهم السحر الكبير (الإسلام هو الحل) ومجرد وجودهم (هم الطيبون) ستنصلح الأحوال. هذه النرجسية كاشفة الآن لمأزق رهيب يجعل مثلا تيار استقلال القضاء الذى هزّ مصر كلها سنة ٢٠٠٥ وجعلها تهتف «يا قضاة يا قضاة انقذونا من الطغاة».. تصيبه الآن لعنة السلطوية وهذه النظرة الجامدة القاصرة لمعنى السلطة ومفاهيم المسؤولية، مشكلتهم ليست فى فسادهم ولكن فى تصور أن «نظافتهم» وحدها تكفى للحكم أو تسمح لهم بفعل ما كان يفعله المستبدون ما داموا هم الفاعلين. وهذه نظرة نرجسية تحتقر شعبا كاملا، وتراه مجرد أطفال عبيد صغار، كما تحتقر البشرية بأفكارها وكفاحها لتخليص المجتمع من العبودية السياسية أو القهر باسم كل القيم الكبيرة، من الدين إلى القومية المتعالية على بقية القوميات. التسلط باسم الدين أو القومية أو باسم «نظافة السيرة» هو فى النهاية تسلط واستبداد، لا اسما مختلفا له ولهذا شارك المستشار أحمد مكى، وزير العدل، فى تغطية ديكتاتورية المرسى وجماعته ولم يتوقف إلا عندما مسَّت هذه الديكتاتورية وهذا التغول مصالح «طائفته» من القضاة. وبهذه النرجسية المدمرة نفسها أصبح المستشار حسام الغريانى صانع كارثة الدستور والمعطل الرئيسى لمجلس حقوق الإنسان إلى درجة تحول المجلس إلى مجرد كورس لقادة ميليشيات الجماعة فى طلعاتها لفرض الإذعان على الشارع. الغريانى يبدو من فرط نرجسيته توحَّد مع ما يفعله لم يعد يراه محط خطأ وصواب.. لكنه وحى من نبله ومكانته التى كانت أيام القضاء.. نسى المسافة بين القاضى الذى يحكم من المنصة والسياسى الذى لا يمكن أن يستمر بإلغاء الآخرين. هم جميعا شركاء فى إعادة هندسة الفراغ السياسى لتكون السلطة مركزها المسيطر والمهيمن، وحجتهم أن السلطة الآن نظيفة اليد. الأخلاق الشخصية هنا بديلة للسياسة، مع أن طبيعة الشخص ترتبك أمام السياسة التى هى عملية لها سيرورة وليست حدثا تستعرض فيه الأخلاق نصاعتها، لكنها قواعد توضع فوق الجميع ويتساوى أمامها الجميع، ولا ترتبط بحُسن أخلاق أحد أو بملائكية آخر.. وهكذا. بدا واضحا الآن أن مفهوم استقلال القضاء لم يرتبط فى مفهوم هذه المجموعة بالحريات ولكن بهيبة القاضى ولهذا فحكايتهم الأيقونية هى حكاية القاضى العز بن عبد السلام الذى أصر على بيع الحاكم المملوكى لأنه مملوك… هيبة القاضى هنا لم تحرر العبد لكنها اعتبرت أن تنفيذها للثقافة السائدة ندّية مع السلطة. كانت الندّية مع السلطة هى المهمة وليست الحرية.. وهذا المفهوم يرتبط بالسلطة ويرى «أننى ما دمت موجودا فى السلطة فهى نظيفة» وليغلق الفضاء على هذه الذوات النظيفة.. ولا مجال للحريات أو لهندسة خارج حدود هذه الهيبة النرجسية. ومن يقوم بها رئيس طيب. هذا تقريبا ما يدور فى عقلية الحكم، فهم يستبدلون الأخلاق بالسياسة، ويعتبرون ذواتهم بديلا عن الكيانات السياسية، ووجودهم وحده يكفى. وهى مفاهيم وتركيبات ستدمر نفسها بعد أن تكون قد ساهمت فى مزيد من الكوارث.   نقلاً عن جريدة"التحرير

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في النرجسية الحاكمة في النرجسية الحاكمة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon