توقيت القاهرة المحلي 05:29:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عندما يسمون الجريمة عملاً وطنيًّا

  مصر اليوم -

عندما يسمون الجريمة عملاً وطنيًّا

وائل عبد الفتاح

إنه طقس معتاد. هكذا قال الخبراء عن علاقة ضباط البوليس بالتعرية. يجردون الإنسان من ملابسه ليصبح أمامهم عاريا، وحيدا، فى حالة بدائية، بينما هم جزء من الوحش الكبير الذى يعيش على أسطورة الخوف منه... والاحتياج له. الوحش اسمه جهاز الأمن. وحفلة السحل والتعرية ليست حدثا فريدا كما رأيناها على الهواء مباشرة مع حمادة صابر... فالوحش يدهس إنسانية من يختارهم... وهذا يسميه جهاز الأمن عملا وطنيا...ونحن والإنسانية والوعى السليم نسميه: جريمة. هذا هو الفرق. المرسى وحكومته ووزير داخليته أسموا ما حدث أمام الاتحادية.. عملا ممتازا يستحق الشكر من الرئاسة، بينما لم ينم أهل مصر ليلتها إلا ومشهد حمادة يطاردهم فى الكوابيس. ولأن محاولة تصنيع ديكتاتور من المرسى بائسة، ولأنه ليس أمامه إلا الاعتماد على جهاز ما زال يجر أذيال انكساره ويشعر بالعجز مخلوطا بنفخة الانتقام، فقد خرج المشهد بكامل الانحطاط. فالديكتاتور المحبوس فى قصره العالى، ليس ديكتاتورا، وبدلة الاستبداد تبرز ضعفه وعجزه أكثر مما تدارى هذا العجز بهيبة كاذبة أو مزيفة. وجهاز الأمن مثل وحش أعمى مكسور القدمين ويحاول القفز لكنه ورغم توحشه وإثارته للفزع لا يستطيع إخفاء شعوره بالرعب والتهتك معا. تصور الوزير أنه يقدم خدماته الجليلة إلى ديكتاتوره المحبوس خلف أسوار القصر، باستعادة وحش الأمن المركزى، وفتحت الدواليب القديمة، وخرجت الوسائل القديمة مع مشهد احتفالى بوصول الزى الجديد من باريس، والمدرعات الجديدة من الصين، وقنابل غاز طازجة متعددة المصدر.. الوزير قال لديكتاتوره البائس فى القصر: إحنا جاهزين يا فندم... وفى اللحظة الأولى بدت مناظر فرق الأمن المركزى تثير المسخرة فهم يشبهون «سلاحف النينجا».. ويتعثرون فى الزى الباريسى.. كما أنهم مترددون بين خبراتهم القديمة والوعى الذى ولد يوم ٢٨ يناير ٢٠١١. وكلما ارتفعت درجة التردد... ظهر الديكتاتور يمنحهم إشارة ثقة بالنفس وفى كل مرة كانت تنتابهم حالة من النشوة... تنسيهم أنهم قادمون من زمن منقرض.. وأن التغيير الذى حدث فى مصر أكبر من أن تدهسه مدرعاتهم أو تغطى عليه سحب غازاتهم، لكنهم كانوا يتقدمون كأى وحش أعمى.. ولأنه أعمى ويعيش فى الماضى.. لم يدرك أن فضيحته مصورة على الهواء، وأن حفلة التعرية والسحل سيراها ملايين على الشاشة... فى نفس لحظة حدوثها... هنا ظهر الارتباك والرثاثة وقلة الحيلة والعجز... لتنتقل الداخلية من جريمة إلى أخرى...من التعرية والسحل إلى الإنكار والتحفظ على الضحية ليروى رواية تكذب العين...يريدون أن يصاب الجميع بالعمى... وهذا هو التاتش الإخوانى... لأن رد الفعل الأول.. كان إدانة الداخلية لما حدث والاعتذار ووعدها بالتحقيق والمحاسبة. وهذا يختلف عما تم تدبيره لتخرج فى الصباح روايات من الضحية تنكر ما حدث. روايات ركيكة... تؤكد ما حدث ولا تنفيه. لكن التاتش الإخوانى المميز هو إنكار ما نراه أو نسمعه.. لتلهى الناس بين روايتين بدلا من أن تثير غضبهم برواية واحدة. الركاكة... مؤلمة أكثر. وذكرت الجميع بما كان يحدث عندما لم يكن ممكنا تصوير حفلات التعرية.. والتعذيب.. والسحل.. وعندما كان جهاز الأمن يحكم فيتحكم فى كل العناصر من النيابة إلى الصحافة... وذكرتنى أنا شخصيا بما حدث معى فى قضية عماد الكبير عندما قال لى فى أول لقاء: «أنتم عاوزين إيه؟! أنا عارف إن كل اللى تحت ربنا ضدى». ورغم أننا كنا ندافع عنه.. فإنه كان يشعر بأن الأمن وحش كبير يدهس على رقبته ورقبة الجميع... وبالتالى فهو تحت قبضتهم ولهذا رضخ لهم تماما.. عندما أجبروه على تقديم بلاغ ضدى... وفى البلاغ... أنكر ما حدث له.. كما فعل حمادة تماما. ساعدنى فى فهم حالة عماد الكبير كتاب مهم للدكتور مصطفى حجازى اسمه «الإنسان المهدور»... وهو درجة أعلى من الإنسان الذى يعيش تحت ضغط القهر والاستبداد والطغيان. وبتعبير بسيط هو إنسان يتعرّض إلى «عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق فى تقرير المصير والإرادة الحرة وحتى الحق فى الوعى بالذات والوجود». المقهور يمكنه أن يرفض ويتمرد ويثور، ورغم كل شىء فإنه يحصل على اعتراف من السلطة التى تقهره، بشرط أن يخضع لمشيئتها ورغبتها. أما المهدور، فإنه يتعرض إلى شىء أفظع: عدم اعتراف السلطة بوجوده أصلا.. تقتله، تعذبه، تحرمه من حقوقه، تزور إرادته، تسرق ثرواته، وتلغى وجوده. حمادة... هو إنسان مهدور.. ومن صدق روايته تحت ضغط البوليس... هو إنسان مهدور، لكنه يريد المشاركة فى الإجرام... بهذا الصمت والترويج لما شاهدته الأعين اليقظة. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عندما يسمون الجريمة عملاً وطنيًّا عندما يسمون الجريمة عملاً وطنيًّا



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon