توقيت القاهرة المحلي 05:29:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وكأن الثورة لم تمر بالمرسى أبدًا

  مصر اليوم -

وكأن الثورة لم تمر بالمرسى أبدًا

وائل عبد الفتاح

الثورة ليست خطف الكرسى الكبير، ولا التسلل إلى السلطة بشعارات كاذبة تمسحها عند مدخل باب القصر. الثورة هى تغيير الأفكار والموقع الذى تنظر منه إلى العالم والتحرر من كل التراث الثقيل الذى تتحرك به لترى الدنيا مختلفة. هكذا كان طلعت حرب، الاقتصادى الاستثنائى فى تاريخ بناء مصر، جامدا، ضد التطور وحرية المرأة، وهاجم قاسم أمين، وكل من تبنّوا تحرير أفكار مجتمع سادت فيه الخزعبلات الفكرية كأنها قَدَر لا فِكاك منه. فاجأت ثورة ١٩١٩ محمد طلعت حرب فتغيرت أفكاره وهذا ما جعله يتحول من صانع أموال إلى أحد بناة مصر الحديثة.. هذا التحول لم يكن صدفة، لكنه استجابة من شخص ذكى وحساس لروح التغيير والثورة. وهذا ما لم يحدث بالنسبة إلى مواطن مصرى اسمه محمد مرسى العياط. فى أثناء الحملة الانتخابية للمرسى كان يمكن اكتشاف أن الثورة لم تمر عليه وكتبت وقتها أن محمد المرسى ابن قبيلة. ‎لا يعرف أبعد من كتالوجها. يردد التعليمات على أنها خبرة الحياة.. ويسير تحت خيمة السمع والطاعة ويتصورها حريته.. يرى مصر من ثقب باب تضع الجماعة فيه ملصقا كبيرا يقسم البلد إلى إخوان ولا إخوان... قبيلة وعالم... نحن والآخرين. ‎لهذا يتصور المرسى أن ما يراه هو آخر نقطة فى الدنيا، وتغويه هذه المعرفة ليصدر فتاوى من نوع أن المجتمع لفظ نصر أبو زيد. ‎كان المذيع يسأله عن المفكر والباحث المهم فى تاريخ الفكر الدينى فيرد كما لو أنه كان حارس الكنيسة التى أمرت بإعدام جاليليو وبعد أن تغير العالم بسبب أفكاره وأصبحت الدنيا غير الدنيا ما زال مصرًّا على أن أبا الفيزياء الحديثة ملعون من الكنيسة. ‎المرسى لا يعرف أن المتمردين وحدهم عن السمع والطاعة هم الذين يغيّرون الأفكار والمجتمعات.. والعالم كله. ‎وكما كتبت لحظة رحيله «انتصر نصر أبو زيد، بعد أن أصبح رمزا فى معركة بين التجديد والتخلف فى الجامعة». بين عبادة النص والتفكير فيه وفهمه. لم يكن نصر أبو زيد خارجا عن الإسلام كما اتهمه قناصة التفكير، لكنه لم يرتدِ أقنعة، ولم يدخل عش الدبابير بملابس تنكرية. دخل نصر أبو زيد العش بملابس حديثة، ونافس الكهنة بالعدة الحديثة، فانقلبوا عليه وهاجموه وقالوا «مرتد.. مرتد».. لم يكن اختلافا. كان محاولة قتل معنوى، وتحريضا على القتل الفعلى بيد مجنون مهووس بالدفاع عن الدين. أفلت نصر من القتل الأول وفى التاسعة والنصف مساء 23 يوليو 1995 خرج نصر حامد أبو زيد من بيته فى الحى المتميز بمدينة 6 أكتوبر إلى مطار القاهرة ومنه إلى أمستردام لتبدأ رحلة الغربة التى كانت أقرب إلى «منفى ثقافى» بعد أن اتفقت جميع الأطراف «الحكومة والمثقفون والإسلاميون» على أن خروجه من مصر كان الحل المثالى حتى لا يتورط أحد فى الصراع وتستمر اتفاقات التوازن الهشة. ويسخر نصر من أن خروجه كان فى ذكرى الاحتفال بثورة الضباط الأحرار. فهو ابن جيل تربى وعيه على التناقض بين الإخلاص للمشروع السياسى والحرية... وبين فتح الطريق أمام أحلام الإنسان العادى لتجاوز واقعه وبين تحكم السلطة فى كل المقدرات الشخصية لمواطن عادى. وبنفسية مقاتل لازمته فى مراحل حياته كانت محطة هولندا (أصبح أستاذا فى جامعة ليدن) مرحلة انطلاق جديدة للتفكير.. والانفتاح على أفكار عالم صاخب بالأفكار والحيوية المدهشة (له الآن فى جامعة برلين كرسى خاص اسمه على اسم فيلسوف آخر مضطهد هو ابن رشد). فى قريته «قحافة» عرف نصر أبو زيد المسؤولية فى سن مبكرة بعد موت الأب، حيث أصبح المسؤول عن العائلة. اكتفى وقتها بنصيب متوسط من التعليم وبدأ فى البحث عن عمل (كانت مطافئ طنطا هى أكثر هذه الأعمال استقرارا). تعرف إلى الإخوان المسلمين وبدأ يخطب الجمعة وظل يُعرف هناك حتى وقت قريب باسم: «الشيخ نصر». الجامعة كانت بالنسبة إليه ملعبا من ملاعب انتصاره فى الحياة والحرية. فهو دخلها فى سن متقدمة وكان فى الخامسة والعشرين من عمره عندما بدأ الدراسة بها فى 1968. تفوّق وتخرج بامتياز ومرتبة الشرف وكاد يضيع حقه فى التعيين بالسلك الجامعى (بسبب أحلام رشاد رشدى فى بسط هيمنة قسم الإنجليزى على الجامعة) لكنه قابل رئيس الجامعة وظل يلحّ فى الدفاع عن حقه حتى ناله هو وزملاء دفعته.. ثم عندما اختار فرع الدراسات الإسلامية ليكون محور دراساته العليا. اعترض مجلس القسم (كانت بداية سيطرة الوعاظ وعمائم ضيق الأفق)... وخرج نصر من المعارك باحثا متميزا يؤمن بحرية البحث العلمى، ورغم أنه لم يخرج عن حدود الإيمان إلى درجة أنه وصف أحيانا بأنه أصولى و«شيخ...»، فإن تصديقه فكرة الجامعة وانحيازه إلى قيمة التفكير جعلته يتجاوز الخطوط الحمراء فى عصر لا تهتم الجامعة إلا بتخريج جيوش من الجهلة الحاملين لشهادات علمية. سيرة انتهت بالفيروس الإندونيسى، الذى لم يكن فى حسبان الهارب من مصائد التفكير أبدا. كنا نتصور أن الثورة مرت على المرسى وفعلت كما فعلت مع طلعت حرب الذى انتقل من مدافِع عن الجمود إلى محارب من أجل التقدم، بعدما أثرت فيه ثورة ١٩١٩، لكن طلعت حرب ليس ابن قبيلة بالتأكيد. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وكأن الثورة لم تمر بالمرسى أبدًا وكأن الثورة لم تمر بالمرسى أبدًا



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon