توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بزنس اسمه الهوية

  مصر اليوم -

بزنس اسمه الهوية

وائل عبد الفتاح

كلما شعر الإخوان أنهم فى مأزق أخرجوا من أدراجهم الكلمات التى جربوها من قبل ونفعت. ولهذا فمع الفشل المتواصل فى إدارة حكم البلاد، أو تقديم مشاريع سياسية أو اقتصادية، أو التعامل بجدية مع مشكلات المجتمع والناس، بدلا من الغرق فى حيَل التمكين والسيطرة، كان لا بد أن تستخدم الجماعة لعبتها القديمة فى تغيير الأوجه وتبديل الأقنعة. فى المرحلة الأولى كان المرسى هو المرشح الإسلامى، وقائد الفتح الثانى لمصر، لكن بعد ظهور نتائج صادمة ومعبرة عن فقدان أرض ليست قليلة تغير الوجه وتبدل القناع ليخرج المرسى بشعارات «الثورة» و«التوافق الوطنى» وأساسيات الدولة الحديثة. هذا التغير فى اللسان يتصور الإخوان أنه عادى، أو من قبيل أن السياسة كذب، لكنه الآن دخل فى المرحلة الخطر حين أصبحت اللعبة أكبر من تجييش جمهور جديد فى الجماعة، أو تنويم جمهور الناخبين مغناطيسيًّا بشعارات لا تشير إلى معنى سياسى مثل «الإسلام هو الحل». اللعبة الآن تقود البلاد إلى ما يشبه الحرب الأهلية بدون سلاح، انتظارًا لمرحلة أخرى، يمكن فيها استخدام السلاح أو الإرهاب، فى سبيل خطف فرصة الحكم، وللدولة كلها. هكذا ارتدى الإخوان وجه التطرف الدينى فى بيان أعلنوا فيه أنهم وحدهم وكلاء الشريعة فى مصر، وأنهم وحدهم صناع الهوية الإسلامية للدولة. البيان يرد على محاولات السلفيين المزايدة على الإخوان، ولا يتردد فى استخدام سلاح المزايدة، ويصل بها إلى حدود تكشف أن الإخوان يعترفون ضمنا أنهم الذين يكتبون الدستور. البيان مكتوب بلغة تبرير لكل خطايا الدستور وإرجاعها إلى الشريعة والهوية الإسلامية، وهو اعتراف بأن الدستور لا يكتبه المجتمع ولا يُكتب من أجل المستقبل، لكن تكتبه جماعة، تعبيرًا عن لحظة انحطاط، ترك نظام مبارك فيها البلد على ما هى عليه الآن. الأخطر أن الإخوان، وبمنطق الاستخدام المكثف لسلاح المزايدة، يمررون أفكارًا ستنفجر فى وجوههم قبل الجميع، لأنهم يحوِّلون الجدل السياسى الدائر الآن إلى معركة من أجل الحفاظ على الهوية الإسلامية، وهى دغدغة قاتلة لمشاعر ملايين المؤمنين بالإسلام.. لأن الثورة لم تقم من أجل الدفاع عن الهوية الإسلامية، الثورة قامت من أجل دولة حديثة تعترف بالتعدد والتنوع، وهما روح هذه الدولة منذ قامت قبل ٢٠٠ سنة. ولأن «الإخوان» جماعة قامت لتهدم هذه الدولة، لأنهم يتصورون أن الحل فى عودة دولة الخلافة العثمانية أو غيرها من خلافة، هى أحد أشكال الدولة الدينية، فإنهم الآن يهدمون الدولة الحديثة بكل ما يمتلكون من حيل وقدرات على تمرير القتل بكريمات ناعمة، من نوع استخدام كلمات البابا شنودة أو الكلام حول أن الهوية الإسلامية يؤمن بها المسلمون دينيًّا، والمسيحيون ثقافة. إنه خطاب مخادع يتاجر فى عواطف الناس ليصارع على السلطة، فالدول الآن وبعد كابوس الدول الدينية (بصيغها المتعددة من الكنيسة فى المسيحية إلى الخلافة فى الإسلام) والدول العسكرية (بنماذجها المتباينة من أمريكا اللاتينية إلى الجمهوريات المقنعة فى العالم العربى) اكتشفت البشرية أن الدولة الحديثة هى الأرض التى يمكن للجميع العيش فى ظلها، بدون استبداد ولا فاشية ولا نازية ولا عنصرية ولا طائفية إلى آخر تلك الأمراض التى دفعت الإنسانية كثيرا بسببها. المشكلة ليست فى هوية الدولة، ولكن فى تحررها من تلك الهويات المتخيلة، التى تستعيد نفس روح الحرب الصليبية التى أوهمت المسيحيين أن حروبها من أجل الدفاع عن المسيح وقتل الملايين تحت هذه الرايات ليتمكن ملك أو عائلة من الحكم أو السيطرة على هذه الملايين الجائعة إلى العدالة والحرية. والدولة الحديثة فى أمريكا مثلا لم تمنع أن قطاعات ليست قليلة من المجتمع الأمريكى محافظة، وتعبر عن تشدد أكثر السلفيين والإخوان، لكنها لا تمنع من الاختيارات الأخرى ولا تشن حروبًا على أشكال الحياة الأخرى بحجة أنهم ضد الهوية الموحدة لأمريكا. بيان الإخوان يعبر عن ضعف ظاهر فى مواجهة انتقادات المجتمع لسياسات الفشل المبهرة، وفى مواجهة المزيد من تطرف السلفيين، ويتصور كاتب البيان أن مواجهة الضعف يمكن أن تتحقق بتفجير قنبلة هواء فارغ، أو كسر طيارة لحاجز الصوت، البيان صوتى ويورط الإخوان أكثر، وعلى العكس تماما لن يخرجهم من مأزق، لأنه سيعلى من منافسيهم الأكثر تطرفا، ولن تكفى حجة أن رفض الدستور هو تعطيل للاستقرار والتنمية. والكلام عن الشريعة بطريقة «انظروا.. إن شريعتنا أكثر سماحة من شريعة الآخرين» سيكشف عن تحول الدين إلى تجارة بدخوله ساحة السياسة، وكل فريق سيدعى أن الدين عنده حصريًا وأن الشريعة أفضل عنده إلى آخر حملات التسويق السياسى، التى لا تفعل سوى التجارة بالدين، ولأن التجارة تعتمد على خلطة بين المزايدة والتخفيضات فستجد أن الإخوان يقولون إننا وحدنا المحافظون على الشريعة، وفى نفس الوقت يقولون: وستجدون عندنا شريعة سمحاء.. ولا صوت يعلو فوق صوت البزنس الانتخابى. نقلاً عن جريدة "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بزنس اسمه الهوية بزنس اسمه الهوية



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon