توقيت القاهرة المحلي 07:20:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفقر والضمير

  مصر اليوم -

الفقر والضمير

مصر اليوم

  الفقر لا يؤدي بالضرورة الى السخط والنقمة، ولكن التفاوت الصارخ بين الناس في مستوى المعيشة هو الذي يزرع الغضب.. وقد ساهم البث الفضائي في ادخال ملايين الفقراء كهوف الاحباط والكآبة بعد ان سمحت لهم قنوات التلفزيون برؤية ليس ما يحدث في الخارج فقط، بل رؤية كيف يعيش الآخرون في بلدهم ذاته.ولقد تمكن العبقري صلاح جاهين من رؤية تأثير الاعلانات التلفزيونية التي تروج للسلع والمنتجات والفيللات والمنتجعات الساحلية في المجتمع الفقير.. تلك الاعلانات التي تحوي دائماً فتاة حلوة مع السلعة المراد تسويقها.التقط جاهين هذا فقال في احدى رباعياته: ياللي نصحت الناس بشرب النبيت/مع بنت حلوة وعود وضحك وحديت/مش كنت تنصحهم منين يكسبوا تمن دا كله ولّا يمكن نسيت!.. عجبي. التفاوت الشديد في الدخول مع معرفة الناس واطلاعهم على أوجه الحياة المرفهة التي يعيشها غيرهم ساهما الى حد كبير في خلق الانسان معدوم الضمير، الانسان الذي يرحب بالكذب والغش والرشوة وأي وسيلة تدفع به الى مجتمع المنعّمين أو على الأقل تسد احتياجاته الأساسية.وهكذا تفسخ المجتمع بعد ان أصبحت الشهامة والنجدة والوفاء عبئاً ثقيلاً على صاحبها قد يؤدي الى تشريده وتجويع أبنائه.لكن ما دور الدين في حالتنا هذه؟ في الحقيقة ان ما حدث في المجتمع المصري يمثل حالة كلاسيكية يمكن تدريسها على مدى القرون القادمة.. لقد كانت الأدبيات الماركسية تتحدث عن الدين باعتباره مخدراً يدجّن الفقير ويجعله راضياً عن عذابه في انتظار الجنة ونعيمها في الآخرة، لكن الحالة المصرية في السنوات الثلاثين الأخيرة تدحض أفكار ماركس وتسخر منها، حيث ان التدين في المجتمع المصري لم يكن بمنزلة الأفيون الذي يجعل الناس ترضى بالمقسوم، اذ ان الذي يرضى بالمقسوم هذا هو انسان لم يفقد ضميره، أما في حالتنا هذه فغالبية الناس تخلت عن الضمير ولم ترض بالقسمة والنصيب وانما استجابت لدواعي السوق واكتسبت مهارات البقاء حتى أصبح الناس جميعاً تقريباً يسرقون الناس جميعاً!. وأصبح التدين يقوم بوظيفة خداع النفس لاقناعها بأن المرء وان كان يكذب ويغش ويخون ويطعن في الظهر الا أنه مازال يؤمن بالله ويؤدي فروضه فيصوم ويصلي ويكثر من رحلات العمرة.. وهذا من شأنه ان يخفف الشعور بالاثم ويمنح الشخص معدوم الضمير احساساً زائفاً بالرضا عن النفس وبالقرب من الله.. ومن حسن حظ هؤلاء ان خط انتاج للشيوخ والدعاة قد تم تدشينه فأخذ يطلق منتجاته في الأسواق، وهؤلاء عملوا على اثارة فزع الناس من الثورة أو الجهاد أو المطالبة بالحقوق، اذ ما حاجتنا الى كل هذا اذا كنا نستطيع ان نقلّب عيشنا بأي طريقة بما فيها تجارة العملة والعمالة للأمن وقبول الاكراميات، ثم فتح التلفزيون في المساء والاستماع الى الداعية اللطيف وهو يحكي لنا حواديت حلوة عن سير الصحابة والأنبياء.. مع رحلة العمرة آخر السنة التي سنكون فيها بصحبته شخصياً!.. أما غير المتدينين فقد كانوا أكثر صلابة وتماسكاً، فبينما فقدوا ضمائرهم أيضاً وأصبحوا فاسدين الا أنهم نجحوا في الاستغناء عن الداعية اللطيف! نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفقر والضمير الفقر والضمير



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon