توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تقبيل اليد التى تستحق القطع

  مصر اليوم -

تقبيل اليد التى تستحق القطع

أسامة غريب

الواضح حتى الآن أن الرئيس مرسى أخفق فى إرضاء كل الذين توقعوا منه أن يكون فارسهم فى القصر الرئاسى، الحامل لأحلامهم، العامل على تحقيقها، ولو بالتقسيط. مشكلة الرئيس فى ظنى تكمن فى أنه يريد تحقيق أشياء كبيرة وعظيمة ترضى الناس كما تسعده هو شخصيا، لكنه ليس على استعداد لخوض غمار أى معركة لتحقيق هذه الأشياء ويريد لها أن تتحقق بالمجان.. وعلى سبيل المثال ليس هناك من لم يحلم بتطهير وزارة الداخلية من القتلة والفاسدين الذين يعششون فى جنباتها والذين بذل المجلس العسكرى مجهودا كبيرا للحفاظ على قوامهم متماسكا دون اهتزاز. ولست أشك فى أن محمد مرسى كمواطن مصرى قد حلم مثلنا بجهاز شرطة وطنى يعمل خادما لأهل مصر الطيبين وليس جلادا لهم. لكن ما إن يتسلم مرسى حكم مصر حتى يتملكه الخوف من التخلص من الفاسدين فى ذلك الجهاز، المعروفين بالاسم ولدى الإخوان قوائم كاملة بهم، وذلك خشية الانفلات الأمنى وعودة البلطجية الذين عملوا لسنوات طوال فى خدمة الباشوات. يخشى مرسى أن يحقق أول أهداف الثورة التى قامت ضد الشرطة وممارساتها الإرهابية بالأساس، ولا يكتفى بهذا الموقف السلبى، ولكن لا يفوت فرصة للإشادة بالجهاز الذى قام على مدى سنوات بترويعه شخصيا هو وأسرته عندما كان يقبض عليه ظلما وعدوانا! ونحن بطبيعة الحال لسنا ضد الإشادة بجهد الشرفاء من رجال الشرطة ولكن المشكلة أن عملية فرز لا بد أن تحدث أولاً حتى نرى الشرفاء جيدا، ونستطيع أن نحييهم وأن نكافئهم.. أما أن يعجز الرئيس عن المحاسبة والتطهير فيوجه التحيات والطيبات إلى الجميع فهذا إجراء ولا مؤاخذة.. سكافوللى. كذلك نعلم أن مرسى مثل معظم شعب مصر يعلم جيدا الدور الذى قام به طنطاوى وعنان لإجهاض الثورة وإشاعة الفوضى عمدا فى جنبات المجتمع طوال ثمانية عشر شهرا لعينة، ويعلم جيدا مسؤوليتهما عن شباب الثورة الذين تم قتلهم برصاص السلطة عند السفارة الإسرائيلية وفى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، غير جرائم هتك العرض الميرى التى أوقعها رجاله بالبنات إلخ، ما نعرفه جميعا.. ليس هذا فقط.. مرسى يعرف أيضا الثروات التى كوّنها رجال مبارك من العسكريين والتى تم تقديم بلاغات صريحة بمفرداتها إلى النائب العام ومنها ثروة عقارية ضخمة نسب المحامى سمير صبرى ملكيتها إلى الفريق سامى عنان ولم يكذبه أحد كما لم يحقق فى الأمر أحد! كل هذا وأكثر منه يعرفه مرسى.. ولا أشك لحظة فى أنه يتمنى تحقيق العدالة وتقديم طنطاوى وعنان وغيرهما إلى المحاكمة ليلقوا جزاء ما عملت أيديهم، لكن المشكلة أنه لا يستطيع أن يفعل هذا لأسباب يطول شرحها.. فماذا يفعل؟ بدلا من أن يصبر إلى أن تتعدل الموازين ويصير بوسعه محاكمة العسكريين الذين قتلوا الثوار إذا به يشيد بهم ويكافئهم ويمنحهم القلادات والنياشين ويسبغ حمايته عليهم، ويزعم أنه يستعين بهم ويستشيرهم ولا يستغنى عنهم أبدا! ولا يختلف الأمر فى ما يتعلق بالنائب العام، فمرسى يعلم أن من أهم أهداف الثورة تغيير النائب العام الذى اختاره مبارك، وهو يتمنى القيام بهذه الخطوة اليوم قبل الغد.. لكنه بعد أن تسرع وأعلن تعيين المستشار عبد المجيد محمود سفيرا لدى االفاتيكان، فإنه سمح لأصدقائه بإثارة ذعر الرجل، الأمر الذى جعله يتراجع ويتشبث بالمنصب. لم يصمت مرسى، لكنه كالعادة ألقى قصيدة عدّد فيها مناقب النائب العام الذى يتمنى شلحه.. وربما لو كان لديه فى المخزن قلادات لمنحه واحدة! وعلى نفس المنوال يتعامل مرسى مع إسرائيل العدو التاريخى للعرب.. هو مثلنا يكره الكيان الصهيونى العنصرى البغيض، ويتمنى أن يعلن الموقف الطبيعى منها وهو العداء السافر.. غير أن مقتضيات السياسة وموازين القوى لا تسمح له أن يجاهر بالعداء وأن يتخذ نفس الموقف الذى كان يتخذه عندما كان فى المعارضة ضد مبارك، ولا يستطيع أن يقود مظاهرة تتحدث عن خيبر وعن جيش محمد الذى سوف يعود. والحقيقة أن أحدا لا يلومه على حالة الضعف التى وجد البلد عليها، ولا عن المعاهدات التى لا يسهل الفكاك منها، والالتزامات التى ورطه فيها المخلوع الأثيم.. لكننا نطلب منه التماسك واحترام الذات فى ما يتعلق بالعدو الذى اضطررنا للتعامل معه، كما نطلب منه السعى لتعديل اتفاقيات الهوان، مع رجاء أن لا يظهر أى ود تجاه هذا العدو الواضح الصريح.. فهل هذا صعب؟ وهل يترتب عليه قيام الحرب التى لا قِبل لنا بها؟ طبعا لا.. ومع هذا فإن العجز عن إظهار الموقف الحقيقى للرئيس تجاه إسرائيل جعله يتصرف معها كما يتصرف بالضبط مع خصومه فى الداخل.. نفس الممالأة والمداهنة ونفس الإشادة وإظهار الود الزائف المكشوف والتزلف المهين الذى لا يقنع أحدا. ويبدو أن الرئيس يعمل بالحكمة العربية القديمة التى تقول: دارِهم ما دمت فى دارهم، والأخرى التى تقول: أَرْضهم ما دمت فى أرضهم. لكن المشكلة يا دكتور مرسى أنك لست فى دارهم، لكنك فى دارنا نحن، ولست فى أرضهم لكنك فى أرضنا نحن أيضا، ولهذا فليس عليك أن تدارى أحدا أو أن ترضى أحدا ممن تعلم كما نعلم أنهم من أعداء ثورتنا، ومن الذين أضروا بها ويضمرون لهذا الشعب الشر المحض.. ولتعلم يا سيادة الرئيس أن المثل القائل بوجوب تقبيل اليد التى لا تستطيع قطعها لا يليق برئيس منتخب.. ألا قد بلغت، اللهم فاشهد. نقلاً عن جريدة " التحرير " .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تقبيل اليد التى تستحق القطع تقبيل اليد التى تستحق القطع



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon