السفير أسامة توفيق بدر
مع مطلع عام 1995 تلاقت أطماع الشيخ حمد بن خليفة ولى العهد القطرى (وكان يشغل فى نفس الوقت منصب رئيس الوزراء ووزير الدفاع) مع مخططات الولايات المتحدة لتغيير الخريطة السياسية للمنطقة وخصوصا الخليج، ولذلك حدث بين البلدين تفاهم صامت أسفر عن إيفاد الشيخ حمد بن جاسم بن جبر وزير البلديه والزراعة وابن عم وخليل ولى العهد فى مهمة الى واشنطن ليتباحث معها فى أمر ازاحة أمير قطر الشيخ خليفة والتعرف على مطالب الولايات المتحدة مقابل إعطاء الضوء الأخضر للانقلاب، واستمر حمد بن جاسم هناك لمدة أسبوعين حتى عاد برد واشنطن بالموافقة المشروطة بعدد من المطالب يتعهد ولى العهد بتحقيقها فور نجاح الانقلاب وهي:
1- ادماج اسرائيل فى منطقة الخليج وفتح أول سفاره لاسرائيل فى الخليج ووافق حمد بن خليفة على هذا الشرط بعد تخفيفه ليصبح افتتاح أول مكتب تجارى اسرائيلى على أن يكون برئاسة سفير محترف من الخارجية الاسرائيلية وهو سامى رفاييل الذى حقق مع زوجته نجاحا كبيرا واختراقا فى صفوف رجال الأعمال وبعض المسئولين فى الدوحة وخصوصا الشباب ممن درسوا فى أمريكا وأوروبا.
2- تغيير نمط التسليح القطرى من فرنسى الى أمريكى والسماح للولايات المتحدة بالوجود العسكرى دفاعا عن قطر والخليج وتمت الموافقة على منحها قاعدة العيديد وقاعدة السيليه.
3- تعديل النظام القضائى القطرى الذى كان يعتمد أساسا على المحاكم الشرعية ليصبح اعتماده الاكبر على المحاكم المدنية العادية على أن تقتصر المحاكم الشرعية على أمور الأحوال الشخصية والمواريث.
4- تغيير النظام التعليمى القطرى ليصبح كمدارس وجامعات يمثل أحدث النظم فى أوروبا والولايات المتحدة وأصبحت معظم الكليات والمدارس الدولية لها فروع فى قطر والدراسة بها مختلطة بعد أن كانت من قبل منفصلة وأغلبها نظرى وشرعي.
5- ادماج المرأة فى المجتمع وبالتالى تم السماح للسيدات بعضوية المجالس المحلية وتعيينهم فى وظائف مهمة فى الدوله كوكيلات لبعض الوزارات.
وقد بررت الولايات المتحدة لقطر شروطها بأنها ترغب فى أن تكون قطر دولة عصرية وتجعلها قبلة تحاول كل الجيران أن تحتذى بها، كما أنه فى ظل التوسع فى الوجود الأمريكى والأوروبى فلن تسمح أمريكا بمحاكمة أى أجنبى أمام المحاكم الشرعية.
وبعد أن تم الاتفاق بين الطرفين على كل التفاصيل, وبدأ الانقلاب فى يونيو 1995 عندما اصطحب ولى العهد الشيخ حمد والده الى المطار لوداعه فى جولة مقررة من قبل إلى مصر ومنها الى أوروبا وانحنى مقبلا يديه وبعدها دعى ولى العهد كل المشايخ ورؤساء القبائل إلى اجتماع عاجل لم يفصح عن مضمونه فى انقلاب تليفزيونى نقله تليفزيون قطر دون صوت وغادر الحضور القصر دون أن يفهموا سبب الاستدعاء بينما أذيع ان اللقاء كان مبايعة من المشايخ للأمير الجديد حمد بن خليفة وتم تعيين حمد بن جاسم مهندس الانقلاب وزيرا للخارجية، وتدهورت العلاقات بين قطر ومصر والسعودية وبدأت حملات الاهانة والتخوين واتهام مصر والسعودية بالتآمر لإعادة الشيخ خليفة وازدادت العلاقات تدهورا بعد أن اعلنت قطر نيتها استضافة مؤتمر مينا(المؤتمر الاقتصادى للشرق الاوسط وافريقيا) بوجود اسرائيل.
وفى ديسمبر 1997 أعلنت السعودية عن دعوة الملك فهد للرئيس الأسبق مبارك والأمير السابق حمد للقاء فى الرياض للمصالحة بين البلدين, وكانت الفكرة ان قطر ستعتذر لمصر عما بدر منها ثم فوجئنا بان البيان الذى صدر يبدأ بـ «نعتذر عما بدر منا» بمعنى أن البلدين قد وقعا فى أخطاء وندما عليه ثم قام حمد بزيارة الى القاهره فى مارس 1998 ولم تتحسن العلاقات ولم يرد مبارك الزيارة واستمرت قناة الجزيره فى التدخل فى الشأن المصرى وازداد التدخل بعد ازاحة مبارك من السلطة. هل يمكن المصالحة بين دول المقاطعة وقطر؟ من واقع العرض السابق لفترة عملى فى الدوحة 95-1999 فإن قطر فى ثوبها الجديد بعد 95 هي, كإسرائيل, صناعة غربية فى منطقتنا العربية وتوجه سياساتها وتحميها وتدافع عنها ولن تتخلى عنها مهما حدث وقد كان الموقفان الأمريكى والفرنسى شديدى الوضوح فى مساندة قطر ضد الدول الأربع المقاطعة وكذلك بعض الدول الغربية بدرجه أقل وضوحا، والفارق فى علاقة قطر وإسرائيل والدول المؤيدة لهما هى أن اسرائيل تحصل على معونات وأموال من الولايات المتحدة وحلفائها، بينما تضخ لهم قطر الأموال بلا حدود بمعنى ان فائدة قطر لهم اكبر من اسرائيل، وأقصى ما يمكن الوصول اليه هو فتره من الهدوء بين الدول الأربع وقطر، ولكن لن تستجيب قطر اطلاقا للمطالب العربية أو أغلبها بل ستزداد المواقف القطرية تشدد.
نقلاً عن الأهرام