توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صعود وهبوط أردوجان

  مصر اليوم -

صعود وهبوط أردوجان

عمرو الشوبكي

رحلة رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوجان وحزبه العدالة التنمية هى بالتأكيد رحلة نجاح، قبل أن تبدأ منذ هذا العام فى الهبوط السريع، بعد أن أصاب الرجل تسلط البقاء الطويل فى السلطة (ما يقرب من 12 عاما)، والرغبة فى الاستمرار فيها حتى لو كان عن طريق تغيير الدستور وتحويل البلاد من نظام برلمانى إلى نظام شبه رئاسى يتيح لأردوجان الترشح على منصب رئيس الجمهورية، بعد أن منعه نظام حزبه من الترشح للمرة الرابعة كرئيس للوزراء. والمؤكد أن الطريقة التى تعامل بها أردوجان مع مصر تنم ليس فقط عن جهل مطبق بحقيقة ما جرى فيها، إنما أيضا عن استعلاء فيه كثير من الصلف وادعاء الحكمة، ولولا أن الرجل قد دخل فى مرحلة الغروب واقتربت تجربته من الأفول لكان اتخذ موقفا مغايرا لما جرى فى مصر، ولفهم أن فشله الأخير لا يعنى أن تجربته الناجحة لها أدنى علاقة بتجربة الإخوان الفاشلة فى مصر. إن دفاع أردوجان المستميت عن تجربة الإخوان الفاشلة يعنى انتقاله من مرحلة النجاح والفهم السياسى المستنير إلى التعثر والفهم السياسى المغلق، وهو ما اتضح من تزايد حجم المشاكل داخل تركيا وتعمق الفجوة الجيلية بينه وبين الشباب التركى الجديد. صحيح أن أردوجان أوصل هذا البلد فى أقل من 10 سنوات إلى واحد من بين أقوى 20 اقتصادا على مستوى العالم، ويتمتع بدرجة نمو اقتصادى مرتفعة ومستوى دخل تضاعف فى سنوات قليلة، دون أن يعنى ذلك أن هذا النموذج لا يعانى من مشكلات ترجع فى جانب كبير منها إلى بقاء أردوجان فى السلطة لمدة 11 عاما. إن مقارنة تجربة حزب العدالة والتنمية بتجربة الإخوان المسلمين هى مقارنة لا أساس لها من الصحة، فـ«العدالة والتنمية» هو ليس فقط ابن سياق ونظام سياسى مختلف عن مصر، إنما أيضا هو ابن التمرد داخل الحزب الإسلامى العتيد فى تركيا، أى حزب الرفاة الذى أسسه الراحل نجم الدين أربكان، على عكس مرسى، الذى هو ابن التنظيم المغلق لجماعة الإخوان المسلمين. إن «العدالة والتنمية» هو الجيل الثانى من تجربة الإسلاميين (المؤمنين بعلمانية سياسية ديمقراطية منفتحة على الأديان) فى تركيا الذى اكتشف أن حكم الرفاة، الذى استمر عامين من 95 إلى 97 وسبق أن وصفناه بالطبعة التركية لجماعة الإخوان المسلمين، فشل فشلا ذريعا فى إدارة البلاد، فكان انقلاب الجيش التركى الناعم فى 97 ليجبر الراحل أربكان على الاستقالة، وجاء أردوجان محملاً بأفكار أكثر عملية ومعلنا انتماءه للنظام العلمانى وإيمانه بمبادئ الجمهورية التركية التى أسسها مصطفى كمال أتاتورك، ونجح فى تحقيق أهم إنجازات اقتصادية وسياسية شهدتها تركيا منذ عقود طويلة. صحيح أن هناك علاقة بين أردوجان وحزبه، وبين التنظيم الدولى للإخوان إلا أنها علاقة غير تنظيمية، فالأول ليس جزءا من الثانى، إنما حليف له بمنطق الرغبة فى توظيفه لصالح نفوذ تركيا الإقليمى فى العالم العربى، وتنظيم الإخوان استفاد من مظلة العدالة والتنمية السياسية فى التواصل السهل بين أعضائه وعقد مؤتمرات مريبة داخل تركيا ضمت كثيرا من عناصر الإخوان. ورغم دعم أردوجان الاقتصادى والسياسى للإخوان فى مصر إلا أنه وصل للسلطة عبر نضال سلمى متدرج، حتى استطاع أن يعدل فى بعض جوانب هذا النظام، ولم يسع لا لتصفية الحسابات مع العلمانية التركية المتشددة، مثلما فعل الإخوان مع مؤسسات الدولة المصرية المتصالحة مع الدين ومبادئ الشريعة الإسلامية. إن صعود أردوجان المذهل على مدار 8 سنوات وقوة خطابه وحجته وإنجازه الاقتصادى والسياسى على الأرض جعلته يتصور أنه فوق النقد ومحتكر للحقيقة والرؤية الصائبة، وبدأ يعانى من مشكلات بقائه فى السلطة لأكثر من عقد من الزمان حتى بات غير قادر على فراقها. ورغم استمرار أردوجان فى الحديث عن مؤامرات المعارضة، وعن أن سبب الاحتجاجات فى تركيا يكمن فى رفض بعض العلمانيين لإعادة بنائه الثكنة العثمانية التى هدمها حزب الشعب الجمهورى (العلمانى)، ويرغب هو فى بنائها استعادة لأمجاد لا تخلو من دلالة ثقافية ودينية، إلا أن هذا لم يحل دون تعمق الحاجز بينه وبين الشباب والمحتجين، خاصة أن هناك تيارا داخل حزبه يمثله رئيس الجمهورية عبدالله جول لا يوافق على كثير مما يفعله. إن معضلة أردوجان وحزبه المهمين تتمثل فى امتلاكه ماكينة انتخابية وسياسية كفئة قد تضمن له لسنوات طويلة ما بين 50 و60 فى المائة من أصوات الناخبين، وهو ما حدث فى تجارب كثيرة ليست لها علاقة بالعالم الإسلامى ولا الإسلاميين، مثل جنوب أفريقيا مع حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، وفى روسيا الاتحادية، وفى المكسيك لفترة طويلة من الزمن (استمرت 70 عاما)، ويحدث الآن فى تركيا. على الأرجح سيبقى أردوجان فى السلطة حتى العام القادم، موعد إجراء الانتخابات البرلمانية، لكن أمامه مخاطر كثيرة، منها أن حزبه قد يخسر الانتخابات أو يفقد أغلبيته البرلمانية: 51%، وقد يفشل أيضاً فى تمرير مشروع دستور جديد لنظام شبه رئاسى سيسمح له بالترشح كرئيس للجمهورية، وقد تتحول المنافسة بينه وبين رئيس الجمهورية عبدالله جول إلى صراع على السلطة ويعاد بناء حزب العدالة والتنمية على أسس جديدة تتجاوز أردوجان. نقلاً عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صعود وهبوط أردوجان صعود وهبوط أردوجان



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon