توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حاسبوا قادتكم

  مصر اليوم -

حاسبوا قادتكم

عمرو الشوبكي

دخل الإخوان مرحلة المواجهة الخطرة بعد صدامهم مع الشعب والدولة معاً، وأصبحت هى المواجهة الأخطر فى تاريخ الجماعة، لأن كل مواجهاتهم السابقة كانت ضد السلطة القائمة سواء الملكية أو الجمهورية، وكان الشعب إما متفرجاً عليهم أو متعاطفاً معهم، ولو بقدر، فى مواجهة الاعتقالات التى تعرضوا لها، ولكنه لم ينتفض معهم ولا ضدهم. أما الآن فقد خرج الملايين فى الشوارع والميادين ضد حكم المرشد، وواجهت الدولة تقريبا بكل مؤسساتها الرئيس، ولم تكتف بالتخلى عنه، كما جرى مع مبارك، حين تخلى الجيش عنه فى نهاية حكمه، إنما دخلوا فى مواجهات ضارية، منذ اليوم الأول، مع الشرطة والقضاء والجيش، بعد أن استهدفت الجماعة الدولة ومؤسساتها، بغرض الانتقام منها، وتصفية الحسابات القديمة معها، لا إصلاحها. والمؤكد أن من ورَّط الجماعة وأنصارها فى هذه المواجهات هو قيادتها الحالية التى لم تر الناس، ولم تفهم إدارة الدولة، إنما رأت مصلحتها كجماعة مسيطرة داخل الجماعة، فأدخلوا شباب الإخوان وكثيرا من رجالها «الطيبين» فى مواجهات خارج نطاق أى منطق وعقل، وملأوا قلوبهم بخطاب كراهية وحقد غير مسبوق تجاه الجميع، سواء خصومهم السياسيين أو الدولة المتآمرة، ونسوا أو تناسوا أن حكام مصر حكموا بدعم الدولة لهم، حتى لو رفضهم جزء من الشعب، وحين رفضهم معظم الشعب، كما جرى مع مبارك ونزلوا فى الشوارع تخلت الدولة عنه، وسقط بكل سلاسة. أما الإخوان فلأول مرة نجد فى تاريخ مصر الحديث جماعة حاكمة تحارب الدولة وتواجهها، وفى نفس الوقت، يغضب عليها الشعب، فهى بالتأكيد معركة خاسرة، قبل أن تبدأ، مهما حاول الإخوان أن يحرضوا شبابهم على العنف، وإطلاق الرصاص على الناس فى المقطم وبين السرايات، فى مشهد صادم، خاصة أنهم واجهوا الطوب والحجارة بالسلاح الآلى فى أكثر من مكان. المؤكد أن تلقين أعضاء الجماعة بخطاب الكراهية تجاه الجميع لن يفيد كثيراً، فعلى عقلائها أن يعرفوا أن أول من ورطهم فيما هم فيه هم قادتهم الذين تآمروا على ترشيح «أبوالفتوح»، لأنه ليس ابنا مطيعا لأهل الحكم داخل الجماعة، واختاروا محمد مرسى، رجل التنظيم والولاء لنائب المرشد، بدلا منه. والمؤكد أن هناك من رفض فى تصويت داخلى أن تُقْدِم الجماعة من الأصل على ترشيح أحد قادتها لانتخابات الرئاسة، وهو أمر واجهته القيادة الحالية بكل قوة، لتسير الجماعة عكس الاتجاه الذى كان يجب أن تسير فيه، حتى تضمن دخولا سلسا فى العملية السياسية، ووصولا آمنا للسلطة. لقد ظل الإخوان خارج دائرة الحكم والإدارة، حتى فى الفترات التى كانت تتمتع فيها بشرعية قانونية، وظلت دوائر الحكم والمؤسسات الأمنية والعسكرية ترتاب فيهم، منذ أكثر من نصف قرن، باعتبارهم خطراً على الدولة والنظام، والأمر نفسه انسحب على فريق من القوى السياسية والمجتمع وقطاع واسع من المسيحيين المصريين. وحين تمتلك الجماعة تراثاً عمره أكثر من ٨٠ عاماً خارج دائرة الحكم وخارج دائرة العمل الحزبى، فهل يعقل بعد ٦ أشهر من تأسيس حزبها الوليد «الحرية والعدالة» أن تكون للجماعة، غير المرخصة قانونا، اليد العليا فى تسيير شؤون الحزب، واختيار مرشح الرئاسة؟ لتضع نفسها، منذ اليوم الأول، فى مواجهة مع المجتمع والدولة اللذين ارتابا فى هذه الصيغة، منذ اليوم الأول؟. إن ما سبق أن سميناه «الدمج الآمن» للإخوان فى العملية السياسية يستلزم الوصول المتدرج للسلطة الذى لا تبدو فيه ماكينة الإخوان وكأنها تغرد فوق المجتمع والدولة، وأن وصولهم للحكم لا يعنى قلب كل المعادلات السياسية بجرة قلم، فقواعد الديمقراطية معناها النسبية، والتدرج فى التحولات. فلأول مرة فى تاريخ أى تجربة ديمقراطية تقوم جماعة دينية بتقديم مرشحين لانتخابات الرئاسة، دون أن تكون مرخصة قانونا، ويصل مرشحها للحكم، ويحافظ على عدم قانونية جماعته، دون أن يشعر بأن هناك مشكلة فى أن تحكم مصر جماعة سرية وغير قانونية، بل يتعامل مع قوانين الدولة التى يرأسها، باعتبارها فى وضع أدنى من قوانين الجماعة، التى وضعتها فوق قوانين الدولة وأجهزتها الرقابية بالإصرار على أن تصبح محظورة بمحض إرادتها لا بفعل النظام. والحقيقة أن تقدم الإسلاميين فى بلاد الربيع العربى مثّل فرصة تاريخية لم تُتَح لتجارب إسلامية أو قومية سابقة، وهى أن وصولهم للسلطة جاء فى كل من مصر وتونس عبر صناديق الانتخاب وليس عبر انقلاب عسكرى، كما جرى فى السودان، أو ثورة أسقطت النظام والدولة معا، كما فى إيران، إنما عبر ثورة إصلاحية حديثة شاركوا فيها، (ولم يشعلوها)، لتغيير النظام وإصلاح الدولة، بهدف بناء نظام ديمقراطى مثلما جرى فى كل بلاد العالم فى الأربعين عاما الأخيرة من أوروبا الشرقية إلى أمريكا اللاتينية، مروراً بإسبانيا والبرتغال وتركيا وماليزيا التى صنعت تقدمها، دون ثورة. إن تجارب النجاح تقول لنا إن أى قوى أو جماعة راديكالية تأتى من خارج المنظومة السياسية السائدة لابد أن تتبنى خطاباً مطمئناً وإصلاحياً لا تبدو فيه أنها ستسيطر أو ستحتكر الحياة السياسية، وأنها ستكتب الدستور والقوانين الأساسية بمفردها، وتصفى حساباتها مع الدولة، لا أن تصلحها. وقد فعلت الجماعة ورئيسها عكس ذلك تماما، ودخلوا فى معركة مع القضاء والشرطة والجيش، واتهموا المعارضين بأنهم «فلول»، وتحولوا من جماعة محافظة إلى جماعة ثورية، بعد أن وصلوا للسلطة، فى مشهد غير مسبوق فى تاريخ أى ثورة فى العالم، فالثوريون يكونون كذلك، قبل الوصول للسلطة وليس بعدها، والمفارقة أن الإخوان لم يصبحوا ثوارا، بعد الثورة، مثل البعض، إنما ثوار بعد السلطة، وهو أخطر وأسوأ أنواع الحكم، لأنه يصبح مجرد مبرر لتكريس الاستبداد، واعتبار المعارضين من الثورة المضادة تماما كما فعل مرسى.  لقد سارت الجماعة عكس الاتجاه، حتى بدت مثل هذا الرجل الذى يمتلك سيارة اعتاد أن يسير بها كل فترة بأقصى سرعة، فيصدمها فى شجرة أو سيارة نقل، ويعود ليقضى سنوات فى إصلاحها، وبعد ذلك يعود مرة أخرى، ويكرر نفس فعلته الأولى. لقد خسر الإخوان معركة السلطة، وفشلوا فى إدارة الدولة والحكم، وكل ما نتمناه ألا يجروا البلاد إلى مواجهة دموية سيكونون هم أول الخاسرين فيها، فالشعب لم يكرههم، لأنهم إخوان ولا مسلمون، (كما يتهمون الأقباط)، إنما لأنهم جماعة منغلقة تعيش على صيغة تنظيمية تجاوزها الزمن وغير موجودة فى أى مكان آخر خارج مصر، وكتبنا فى ذلك، قبل الثورة، عشرات الأبحاث والمقالات حول شروط الدمج الآمن للإسلاميين، خاصة الإخوان فى العملية السياسية، لكن غرور السلطة وشهوة الحكم جعلاهم لا يستمعون لأحد. على من تبقى من عقلاء الجماعة أن ينقذوا الشعب المصرى من فشل قادتها ورئيسهم، وألا يجعلوا فشلهم، هذه المرة، على حساب دماء ستظل فى رقابهم ليوم الدين. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حاسبوا قادتكم حاسبوا قادتكم



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 09:00 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 09:36 2021 الإثنين ,20 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم الإثنين 20/9/2021 برج الدلو

GMT 13:21 2019 الأحد ,29 أيلول / سبتمبر

كيف ساعدت رباعية الاهلي في كانو رينيه فايلر ؟

GMT 03:35 2018 الجمعة ,21 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الكركم المهمة لعلاج الالتهابات وقرحة المعدة

GMT 02:36 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

فعاليات مميزة لهيئة الرياضة في موسم جدة

GMT 04:38 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

نجل أبو تريكة يسجل هدفا رائعا

GMT 12:42 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ديكورات جبس حديثه تضفي الفخامة على منزلك

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

مجموعة Boutique Christina الجديدة لموسم شتاء 2018

GMT 11:46 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

الذرة المشوية تسلية وصحة حلوة اعرف فوائدها على صحتك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon