توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تيِّسنا يا خواجة

  مصر اليوم -

تيِّسنا يا خواجة

معتز بالله عبد الفتاح

سأبدأ هذا المقال من بعيد ثم أعود إلى مصر. فى 2003 كان هناك لقاء مهم بين الإعلامى أحمد منصور والسيد شفيق الحوت، أحد مؤسسى منظمة التحرير الفلسطينية. الحوار كان بينهما حول قضية لماذا ترك الفلسطينيون أرضهم وأصبحوا لاجئين فى الدول المجاورة لهم، ولماذا لم يقاوموا ويقاتلوا وحتى لو هزموا يظلون فى أرضهم. يسأل أحمد منصور: بعد هذه المدة الطويلة منذ العام 48 وحتى الآن يعنى سؤال ربما يتبادر إلى الذهن: لماذا تركتم فلسطين؟ لماذا هاجرتم منها وهناك أسر بقيت وناضلت وكافحت وعانت معاناة كثيرة؟ شفيق الحوت: نعم، نعم، الآن سأتكلم، زى ما بيقولوا، بنظرة رجعية للتاريخ، يعنى بعد التجربة التى خضناها، وقد رأى الفلسطينيون بعد كمان نكبة 48 نكبات أخرى، يعنى فى أيلول الـ70 وما جرى فى لبنان لا يقل عنفاً عما لقوه فى.. فى فلسطين، ولكنهم لم يهاجروا، لم يتركوا، فإذا كان من الممكن يعنى أن نبقى وأن نحيا وأن يعنى لا نضطر لحياة اللجوء السياسى، لكن لماذا جرى ما جرى؟ أولاً سأروى لك.. أنا كنت محتار يعنى فى الإجابة على هذا السؤال حتى يمكن سنة 69.. أحمد منصور: 69.. شفيق الحوت: 69، 69 كان بدأ العمل الفدائى، بدايات العمل الفدائى، وجاء فريق تليفزيونى فرنسى يريد أن يحقق فى هذه الظاهرة إنه صحيح فيه فدائيين فلسطينيين أم عصابات قطاع طرق ولصوص وشىء من هذا النوع، للأسف كان فيه من يظن أنه هؤلاء هم الذين يعنى يقومون بالعمليات الفدائية، وجاء الوفد مرفقا بتوصيات من بعض السفراء العرب فى باريس بأن اعتنى به كمدير مكتب منظمة التحرير فى بيروت فقلت لهم لنذهب إلى شو.. إلى الأغوار؛ حيث كان العمل الفدائى فى بداياته وتشاهدون على بأم العين من يتدرب.. من يقوم بالعمليات وتسألون الناس وتكتشفون بأنفسكم حقيقة هذا المسمى بالعمل الفدائى. فأخذناهم وذهبنا إلى معسكر كان لمنظمة التحرير فى منطقة اسمها منطقة خَوّ وكان هنالك المئات من الشباب الذين يتدربون؛ فرئيس الفريق التليفزيونى اختار 4، 5 أشخاص وقال أريد من هؤلاء أن يدعونى إلى بيوتهم فى.. فى الأردن وفعلاً أخذناهم واحدا واحدا ورافقناهم واستجوب أهلهم وتعرف على أهلهم ولماذا التحقوا بالعمل الفدائى وسمع من المحاضرات الوطنية ما لم يخطر على بال إلى أن دخلنا بيتا فيه امرأة عجوز فسألها رئيس الفريق الفرنسى نفس السؤال اللى تفضلت سيادتك فيه. أحمد منصور: قال لها لماذا خرجت؟ شفيق الحوت: لماذا؟ الله طب أنتم فى سنة الـ48 ليه خرجتم من البلاد؟ ليه خرجتم من البلاد؟ قالت له لأننا تيسنا يا خواجة!! وكلمة تيسنا بالفلسطينية الدارجة تعنى كنا أغبياء، تصرفنا كالتيوس والقطعان ومشينا وكان خطأ، أنا ترددت فى الترجمة، إن شو ها الكلام هذا الجرىء، قالت لى قل له اللى قلت لك إياه لأنه إحنا لو ما تركنا بلادنا ما كان جرى فينا اللى عم بيجرى الآن ومرور كذا سنة على حياتنا فى المخيمات أذلاء. وأضافت.. ولا تنس قالت لى: يا أخ شفيق إنه إحنا مش بس ارتكبنا خطيئة الخروج واللجوء إلى خارج الديار، إحنا اتهمنا من بقى وراءنا بأنه خائن وارتضى العيش فى ظل الحكومة الإسرائيلية، وهذه كانت حقيقة مؤلمة، نحن يعنى إخواتنا الذين بقوا فى.. فى الديار سنة الـ48 كنا نقاطعهم، كنا مقاطعين لهم. أحمد منصور: يعنى الحكمة جاءت من هذه المرأة العجوز؟ شفيق الحوت: جاءت على.. من هذه المرأة العجوز وأصبح الذين يعنى أخذنا عليهم قبولهم بالهوان والحياة فى ظل إسرائيل هم فى رأيى الآن أحد أهم مباعث الأمل فى تحرير فلسطين من الكيان الصهيونى. أحمد منصور: يعنى خروج.. خروج الفلسطينيين سنة 48 بتعتبره غباء فى التصرف؟ شفيق الحوت: ما فيه شك.. ما فيه شك، لكن له يعنى ما يبرره، يعنى بمعنى مش غباء نقطة على السطر، كان هنالك أولاً الوعود الكاذبة من الدول العربية، يعنى الدول العربية كاذبة علناً يا أحمد، الآن تتضح لك الصورة عندما تذهب إلى الأرشيفات وتفتش عما يسمى المقررات السرية لمؤتمرات الجامعة العربية فى بلودان فى «...» وفى غير ذلك فتجد أنه ما.. كلام فارغ، عندما يعنى حتى قُبيل 15 أيار بأيام لم تكن قد شُكلت القيادة العسكرية لـ... انتهى الاقتباس الطويل ويبقى أن أقول إننا كذلك «تيسنا يا خواجة».. نحن نتصرف بغباء ونستنزف بعضنا البعض ونقتل لغة التراحم بيننا. كل طرف لا يقبل مثل كلامى لأنه لا يقبل أن تتم تسويته بالطرف الآخر. كل طرف ينظر لقتلاه وضحاياه ولا يفكر فى ما يقترفه فى حق الآخرين. هل فشلت تجربة إدماج التيار الإسلامى فى الديمقراطية الناشئة؟ هذا سؤال معقد، لكن إجابته الأولية: نعم. الديمقراطية تستهدف ثلاث عمليات أساسية: أولا: الإدماج والاستيعاب (Inclusiveness) لكل القوى السياسية القادرة والراغبة فى المشاركة فى الحياة الديمقراطية، بعبارة أخرى: على الجميع أن يعطى الفرصة على الأقل مرة واحدة لإثبات مدى التزامه بمبادئ وآليات العمل الديمقراطى، وإن ثبت عدم التزامه بها، فلا بد أن تنزع منهم صلاحية الاستمرار فى العمل السياسى وفقاً لشعار الديمقراطية لأعداء الديمقراطية. وهذا ما حدث مع النازيين فى ألمانيا. ثانيا: المشاركة والتفاعل (Participation)، والمقصود هنا أن يشارك الجميع على قدم المساواة فى عمليات التصويت والتعبير السلمى عن الرأى، ومن يثبت فى حقه أنه لا يلتزم قواعد المشاركة والتفاعل السياسى السلمى والقانونى، فيُمنع منها بحكم القانون. ثالثا: المنافسة والتعدد (Competition)، لا ديمقراطية بلا تنافس بين برامج سياسية وأحزاب وأشخاص فى انتخابات حرة نزيهة. لكن معظم الدول وجدت أنه من المستحيل أن تجمع العمليات الثلاث السابقة دون تدرج على مدى زمنى طويل؛ مثلا الأمريكان لم يستوعبوا كافة القوى الاجتماعية والسياسية إلا بعد مائة وثلاثين عاما من بداية الديمقراطية الأمريكية؛ فمثلا ظلت المرأة وظل غير البيض غير مسموح لهم بالمشاركة أو التنافس، وبالتالى كانوا بعيدين عن الإدماج والاستيعاب إلى أن ترسخت القيم الديمقراطية فى المجتمع، كان المجتمع السياسى مستعدا لاستقبال لاعبين جدد. ما حدث فى مصر هو العكس تماما، المجتمع استقبل فجأة طوفانا من اللاعبين السياسيين الذين لا يعرفون من قيم الديمقراطية إلا القليل مثل اللاعبين «الغشم» الذين يلعبون سويا لعبة هم غير ماهرين بها، فينتهون إلى إصابات وجراح وتلاوم وعتاب. تيّسنا يا خواجة.. مثلما تيسوا.. يا رب نج مصر منّا يا رب. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تيِّسنا يا خواجة تيِّسنا يا خواجة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon