توقيت القاهرة المحلي 05:46:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرهاب الإرهاب: هل ممكن؟

  مصر اليوم -

إرهاب الإرهاب هل ممكن

معتز بالله عبد الفتاح

استقر عند كثير من الدول الديمقراطية مقولة «لا تفاوض مع الإرهابيين أو من يهددون باستخدام العنف ضد المواطنين السلميين»، أى سنظل نقاتلهم ونطاردهم ونسجنهم حتى نقضى عليهم. بعبارة أخرى: الديمقراطيات لا ينبغى أن تقدم تنازلات معلنة فى مواجهة الإرهاب أو مستخدمى العنف أو المهددين به، ولا أن تعطى مكافآت للإرهابيين مهما كانت أسبابهم أو مبرراتهم. لماذا؟ عادة تكون حجج هؤلاء فى ثلاثة اتجاهات: أولاً التفاوض يعطى شرعية للإرهابيين، كما يعطى لاستخدام العنف وللتهديد به وزناً سياسياً أعلى كأداة مشروعة. ثانياً، التفاوض مع الإرهابيين يعطى إشارة سلبية إلى أن الراغبين فى التغيير السلمى لن ينجحوا إلا إذا لجأوا للأساليب العنيفة أو التهديد بها. ثالثاً التفاوض مع الإرهابيين ينال من الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب ومحاصرته. السطور السابقة تلخص المواقف المعلنة لعشرات الدول التى تتبنى نفس المبدأ، بل والذى أقرته العديد من تقارير الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن بشأن قضايا مشابهة. ولكن على أرض الواقع، وهذه واحدة من معضلات السياسة، أن المعلَن يمكن -بل ينبغى أحياناً- أن يتعارض مع الممارَس فعلياً، الحكومات الديمقراطية تتفاوض سراً مع الإرهابيين. وظلت الحكومة البريطانية حريصة على مسار تفاوض سرى مع الجيش الجمهورى الأيرلندى الذى كانت تصفه بأنه إرهابى. بل زاد التفاوض بعد أن قام بعض التابعين له بشن هجوم شديد على مقر الحكومة البريطانية فى 10 داوننج ستريت فى عام 1991. بل إن الحكومة الإسبانية تفاوضت فى عام 1988 مع حركة «إيتا» الانفصالية، التى كانت تصفها الحكومة الإسبانية بأنها حركة عنصرية وانفصالية وإرهابية، فقط بعد ستة أشهر من قتلها لحوالى 21 مواطناً إسبانياً فى هجوم إرهابى على سوبر ماركت. وإسرائيل التى تزعم لنفسها أنها «أكثر دول العالم تعرضاً للإرهاب» وجدت أنه من الضرورى أن تتفاوض مع من تعتبرهم «إرهابيين» فى عام 1993 بما أفضى إلى اتفاق أوسلو. إذن، هناك انفصال واضح بين المعلَن والممارَس فى مسألة عدم التفاوض مع الإرهابيين والمهددين باستخدام العنف. وهو انفصال تضطر إليه الدول لأنه يقلل من السلبيات الثلاث المشار إليها ويسمح لها فى الوقت نفسه بالتفاوض عبر مسارات غير رسمية لتعظيم مصالحها. وحين درس بعض المتخصصين فكرة «إرهاب الإرهاب»، أى إرهاب الدولة للإرهابيين، وبالتالى ردعهم أو القضاء عليهم، وجدوا أن الإرهاب كالسرطان لا تكاد تسعى لقتل خلية سرطانية إلا وتجد نفسك بالضرورة إما تصيب أخرى بالسرطنة أو تقضى على خلية أخرى سليمة. وقد سعيت للتدخل موضحاً الأمر لمن بيدهم الأمر لطلاب فى التعليم الثانوى خرجوا فى مظاهرات فتم القبض عليهم وأخذوا تجديد حبس أياماً وراء أيام، وهم الآن فى السجن مع مجرمين متنوعين، وسيخرجون من السجن وقد فاتهم الكثير من أيام الدراسة، وقد يكتسبون قيماً وعادات مضرة بهم نفسياً وذهنياً على المدى الطويل. والملاحظ كذلك أن الكثير من ذويهم، ممن هم أصلاً كانوا معارضين لحكم الإخوان، أصبحوا أكثر نزوعاً نحو الخروج فى مظاهرات احتجاجاً على احتجاز ذويهم أو أصدقائهم، ويتعرض هؤلاء للضرب والإهانة وما هو أكثر فيزدادون تطرفاً. وكما هو معروف غابة التطرف هى التى تنمو فيها شجرة الإرهاب. ومن يفكر على المدى الأطول قليلاً سيكون مطالباً بمنع الأكسجين السياسى عن الوصول إلى غابة التطرف حتى لا تنتج إرهاباً لا نريده. إذن: أولاً، المعلَن ينبغى أن يكون أنه لا تفاوض مع أى إرهابى أو شخص يهدد المجتمع بالإرهاب قولاً واحداً، ولا مجال لتقديم أى تنازل من أى نوع فى أى اتجاه. ثانياً، الفعلى هو أنه لا بد أن يكون هناك تفاوض تقوم به أجهزة أمنية عليا، بالتعاون مع وسطاء، على قاعدة أن هؤلاء مواطنون أخطأوا خطأً جسيماً فى حق الوطن، ولن يفلتوا من العقوبة مهما حدث، إنما النظر فى تخفيف العقوبة ممكن فى ظروف استثنائية مع تعهدات واضحة وملزمة بالامتناع عن العمل السياسى. أعرف تماماً أن هناك من يتمنى أن يستيقظ صباحاً ليجد فصيلاً معيناً وقد اختفى من الوجود. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه. هكذا أراد الكون رب الكون. دمتم بخير. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرهاب الإرهاب هل ممكن إرهاب الإرهاب هل ممكن



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon