توقيت القاهرة المحلي 05:29:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خريطة الاعتدال والتطرف

  مصر اليوم -

خريطة الاعتدال والتطرف

مصر اليوم

هذه أخطر قضية تواجهنا فى مصر الآن. تخيل معى خطاً مستقيماً، وتخيل أنك تتحرك من منتصفه وأنك قررت أن تتحرك فى اتجاه اليمين فإن أول من ستلتقيهم هم مجموعة من الناس يمكن أن نطلق عليهم «المعتدلين»، ولو أخذت فى وِشك وفضِلت ماشى ستلتقى بمجموعة من الناس ممكن نسميهم «المتشددين»، ولو كملت فى طريقك ستصل إلى أقصى طرف الخط المستقيم، ستجد مجموعة من الناس نسميهم «المتطرفين». إذن من أقصى اليمين إلى المنتصف هناك متطرفون ثم متشددون ثم معتدلون ثم مستقلون. لو كنت حضرتك ذهبت إلى اليسار كنت ستجد نفس التركيبة: «معتدلون، متشددون، متطرفون». تخيلوا حضراتكم فى مجال المنافسة الرياضية بين قطبى كرة القدم المصرية «الأهلى والزمالك»، سنجد أن هناك من يشجع الأهلى أو الزمالك (بتطرف أو تعصب)، وهؤلاء من نجدهم أحياناً يشجعون فريقاً أجنبياً ضد الفريق المصرى الآخر، أو يحرصون على أن يفوز فريقهم ولا يوجد لديهم مانع من العنف المادى حين يهزم الفريق. وكم رأيناهم يدمرون المنشآت العامة، وربما يتضاربون، وكأن حرمة الدم الإنسانى لا قيمة لها. وهناك من يشجع أحد الفريقين (بتشدد) دون أن يصل إلى العنف تجاه الآخرين ودون الفُجر فى الخصومة، ولكن حتى هذا التشدد يجعل الإنسان يتمنى لفريقه أن يفوز حتى ولو بالرشوة أو الظلم، لأن المتشدد بطبيعة تشدده يرى أن انتصاره وانتصار من يمثله مصلحة أعلى من أى مبدأ. أما المعتدلون فى تشجيع الفريق الرياضى، فهم يرون أن هناك حدوداً لما يؤمنون به، هذه الحدود هى القيم العليا، نعم نريد لفريقنا أن يفوز ولكن لا نقبل أن يكون ذلك بالتزوير أو الرشوة. هذه المقاربة فى مجال الكرة ليست بعيدة عما يحدث عملياً فى السياسة، ومن يطالع دراسات الثقافة السياسية فى المجتمعات الصناعية (مثل World Values Surveys) يجد أن هذه التقسيمة السباعية موجودة فى كل مجتمع، والمعتاد أن يكون المتطرفون (على الطرفين) فى حدود 10 فى المائة من المجتمع، ومن أجل هؤلاء وضعت الدول قوانين لمعاقبة الاعتداءات البدنية والمادية وجرائم العنصرية التى تحض على كراهية مواطنين آخرين. وفى المتوسط، يكون المتشددون (على الطرفين) فى حدود 20 فى المائة من المجتمع وهؤلاء لديهم مشاعر أو مواقف سلبية تجاه الآخرين، ولكنهم لا يميلون لترجمتها فى شكل عنف لفظى أو مادى. وفى المتوسط أيضاً، يكون المعتدلون (على الطرفين) فى حدود 40 فى المائة من المجتمع، ويكون المستقلون فى حدود 30 فى المائة. والمستقل هذا إما أن يكون إنساناً محايداً أو حائراً أو غير مهتم، لكنهم فى النهاية لا يتبنون موقفاً مؤيداً أو معارضاً ممن هم على اليمين أو اليسار. إذن الطبيعى أن يكون المعتدلون ومعهم المستقلون هم الأغلبية فى المجتمعات فى فترات الاستقرار الطبيعى (حوالى 70 فى المائة). وعادة ما يرى المتطرفون كل من يقلون عنهم فى التطرف، سواء من المتشددين أو المعتدلين ممن ينتمون لنفس تيارهم الفكرى أو السياسى أو المستقلين، وكأنهم أشد أخطراً على قضيتهم ممن ينتمون للتيار المضاد، وتكون الحجة أن الأقل تطرفاً يقوم بتمييع القضية. المتطرف يرى أن المختلفين معه خطأ وخطر وخائنون للقضية. ولكن عادة ما تأتى المبادرات الكبرى، سواء كانت خيراً أو شراً، من المتطرفين، «هتلر» كان كذلك. وما شاعت حرب أهلية قط إلا ووجدت المتطرفين من الطرفين يديرون المشهد ويوجهونها نحو المزيد من المواجهة والصدام. أزعم أن نسبة المتطرفين فى مصر لا تختلف كثيراً عن نظيرتها فى المجتمعات الأخرى، ولكن المعضلة فى أن نسبة المتشددين زادت، ونسبة المستقلين والمعتدلين تراجعت. لن يصلح أمر الوطن ولا أمر مصر إلا إذا كان معتدلوها أضعاف متطرفيها، وهذا بذاته لن يتحقق إلا إذا خرجت قوى الاعتدال إلى الفضاء العام أكثر لتوضح موقفها أكثر وتبين مخاطر المواقف المتطرفة.  نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خريطة الاعتدال والتطرف خريطة الاعتدال والتطرف



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon