توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكوليرا الفكرية

  مصر اليوم -

الكوليرا الفكرية

معتز بالله عبد الفتاح

ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف. وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق. هذه العبارة بتصرف قالها الشيخ الشعراوى رحمة الله عليه. وهى سهلة القول، عظيمة المعنى، صعبة التطبيق. تحتاج تدريباً ذهنياً. تحتاج أن نكون موضوعيين، أى أن نناقش الموضوع بغض النظر عن الأشخاص، أن نناقش المنتَج بغض النظر عن المنتِج. بحكم عملى فى الخارج، كانت المجلات العلمية ودور النشر ترسل لى كتباً أو مقالات للتحكيم دون أن يكون مكتوباً عليها أى إشارة لصاحبها حتى أناقش ما هو مكتوب دون أن أتأثر بأن فلاناً صديقى أو منافسى أو عدوى. ناقش المنتَج.. وليس صاحبه. هذه هى الموضوعية بواحد من معانيها. الموضوعية تقتضى الـ «إف، بى، آى»، أى Fairness + Balance + Integrity أى الإنصاف (فنقول الحق) والتوازن (فلا نبالغ) والنزاهة (فلا نخلط المواقف والمصالح الشخصية فى ما هو غير شخصى). جاءت لى الأخت المربية الفاضلة زينة بنتى من المدرسة وحكت عن زميلة لها أساءت الأدب مع زميلاتها. فانتقدتُ سلوك زميلتها، فردت علىّ: «But she does not know better» يعنى بالعربى كده: ما حدش علّمها أحسن من كده، أو هى ما تعرفش أحسن من كده، وعليه لازم نعلّمها. بصراحة رد بنتى كان قوياً لأنها أوضحت لى أنها أدركت أن زعلها من زميلتها لم يترتب عليه أنها حاولت أن تظلمها. وأنها التمست لها العذر وحريصة على أن تفهمها الغلط من غير ما تفقدها كصديقة. يقال عن أوباما إنه بارع فى أن يكسب النقاش، دون أن يخسر الأشخاص: «Win arguments without losing people». المقارنة العابرة فى مصر تؤكد أننا ننجح فى خسارة الأشخاص ولا نكسب القضايا. كم من أصدقائنا فقدناهم فى الفترة السابقة. وبعدما فقدناهم هل حللنا أى مشكلة؟ طيب مش الأفضل أن نتكلم معهم بـ إف، بى، آى يا إما نقنعهم أو يقنعوننا أو نظل مختلفين مع بعض. كلمات الشعراوى السابقة، وجدتها فى الخارج أكثر مما وجدتها فى الداخل. وجدتها فى إسرائيل أثناء تدريسى المتكرر لمقرر عن الصراع العربى الإسرائيلى. القرآن يقول عن يهود المدينة إننا نحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، ولكنهم نجحوا فى أن يبحثوا عن نقاط الالتقاء من أجل مصلحة بلدهم، ولم يتبنوا منطق المناضل الرافض تحت شعار: «خُلقنا لنعترض». الاعتراض منطقى فى موضعه، ولكن الاعتراض الدائم يفقد الإنسان مصداقيته أو على الأقل تأثيره خارج إطار من يتبنون منطقه. قول الشعراوى مرة أخرى: ﻻ توطن نفسك على المعارضة بلا إنصاف، فدوام الخلاف من اﻻعتساف. وﻻ توطن نفسك على المواﻻة بلا استحقاق، فدوام الوفاق من النفاق. صحيح، دوام الخلاف من الاعتساف يعنى من الظلم، ودوام الوفاق من المهادنة والمنافقة. ولكن افتعال الخلاف أو افتعال الوفاق رغبة فى الشهرة أو الزعامة الزائفة يجيدها كل خفيف بلا قضية، ويستجيب لها كل خفيف بلا عقل. أحسب أن الرزانة، كل الرزانة، أن تستمع لآراء الناس باهتمام واحترام، ولكن لا تجعلهم قبلتك، لا سيما فى المجالات التى أنت أعلم منهم فيها. ولنحط أنفسنا بقلة من الأشخاص متنوعى المشارب ناضجى العقول من أهل الرأى والعلم والحلم والمشورة، كى يكونوا ضميراً خارجياً لنا، يراجعوننا حين نخطئ ويدعموننا حين نصيب. فى مادة «مهارات التفكير النقدى» كنا نطلب من كل طالب أن يكتب اسم أكثر شخص يكره من الشخصيات العامة فى ورقة. ثم فى ورقة أخرى يكتب أسباب كراهيته له، ثم فى ورقة ثالثة أطلب منهم كتابة صفات إيجابية فى هذا الشخص. وبعد أن أشرح لهم الـ إف، بى، آى، أطلب منهم أن يكتبوا فى ورقة رابعة مميزات نفس الشخص. بعد ما ينتهى هذا التمرين أطلب منهم أن يعلقوا على ما كتبوا. عادة ما تكون النتيجة أننا نملك القدرة على أن نكون موضوعيين، حينما نريد، أو حينما ندرك أن الموضوعية مفيدة. الكوليرا الفكرية المنتشرة فى مصر ناتجة عن سنوات طويلة من الحقد والغيظ والكره للمخالفين فى الرأى، وهى من صفاتنا الأصيلة التى ينبغى أن نتخلى عنها.   نقلاً عن "الوطن

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكوليرا الفكرية الكوليرا الفكرية



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon