توقيت القاهرة المحلي 05:29:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

توافقوا أو ارحلوا

  مصر اليوم -

توافقوا أو ارحلوا

معتز بالله عبد الفتاح

يوجد من التناقضات الداخلية فى دول كثيرة ما يبدو أضعاف ما هو موجود فى مصر، وتبدو هذه الدول أكثر استقرارا من مصر وأكثر قدرة على صناعة التوافق الوطنى. خذ مثلا دولة مثل جنوب أفريقيا التى عرفت السيطرة الاضطهادية للبيض (12 بالمائة من السكان) على السود لمدة 300 سنة بكل ما حملته من إهانة وتعذيب وقتل وتشريد. ومع ذلك يبدو أن أمرا ما حدث جعل هؤلاء يتسامحون ويتعايشون مع أولئك. بل حتى إن تاريخ الصراع بين القبائل السوداء الثلاث الكبرى فى جنوب أفريقيا (الإكزوسا، والزولو، والسوتو) ليس تاريخ تعايش بقدر ما كان تاريخ صراع مكتوم أو ظاهر. إذن ماذا حدث؟ ولنأخذ كذلك مثالا لدولة كالولايات المتحدة التى تبين تعدادات السكان أن فيها من التعدد العرقى واللغوى والدينى ما يجعل المرء يتساءل كيف يتعايش السيخ والهندوس والبوذيون والمسلمون مع غيرهم من الأمريكان ذوى الأصول البيضاء أو اللاتينية فى حين أن هؤلاء لا يتعايشون بنفس القدر من التسامح والتوافق فى بلدانهم الأصلية. هل هناك دول معمول لها عمل وأخرى نجحت فى فك العكوسات؟ هل المسألة مرتبطة بعوامل معينة (factors) أم بسلوك الفاعلين (actors)؟ إذن الفكرة وضحت أن المجتمعات متفاوتة فى قدرتها على استيعاب تناقضاتها الداخلية. معظم التحليلات تذهب إلى الدور الذى تلعبه الأغلبية فى القدرة على البحث عن حلول وسط تسمح ببناء التوافق الوطنى. ولنأخذ عدة أمثلة. إجراءات الانتقال من الحكم العنصرى فى جنوب أفريقيا إلى الحكم الديمقراطى ارتبطت بعشرات التحديات التى احتاجت جهدا ذهنيا ونفسيا هائلا من الأغلبية الجديدة بقادة الرأى فيها مثل نيلسون مانديلا وديزموند توتو. كانت الفكرة الأساسية هى لجان الحقيقة والمصالحة حتى لا يعاقب كل البيض على ما اقترفه بعضهم، فتكون العقوبة شخصية. كانت هناك مخاوف حادة لدى قبائل الزولو من أن يقعوا فريسة لسيطرة قبيلة الإكزوسا التى منها نيلسون مانديلا شخصيا، ولهذا طالبوا بالاستقلال؛ فكان الحل من نيلسون مانديلا وحزبه (حزب الأغلبية) أن يمثل فى الحكومة بوزير واحد على الأقل أى حزب يحصل على 5 بالمائة من أصوات الناخبين كآلية من آليات تقاسم السلطة (power sharing) فضلا عن منح إقليم الزولو حكما ذاتيا فى إطار الفيدرالية الجنوب أفريقية. هذا المنهج هو ما مكن الآباء المؤسسين للولايات المتحدة من تخطى العديد من الصعوبات. مثلا، كانت هناك مخاوف شديدة عند الولايات الصغيرة من الدخول فى الاتحاد الفيدرالى لأن الولايات الكبيرة ستمثل فى الكونجرس ومن ثم فى الحكومة بأعداد كاسحة. ومن هنا جاء «الحل الوسط الأعظم» (the Great Compromise) القائم على وجود مجلسين للكونجرس: أحدهما (مجلس الشيوخ) تمثل فيه الولايات على قدم المساواة بحيث يكون لكل ولاية ممثلان، والثانى (مجلس النواب) تمثل فيه الولايات على قدر عدد سكانها. وظهرت مشكلة أخرى حيث توجد ولايات بها عدد مهول من العبيد الذين ليس لهم حقوق سياسية، فهل هؤلاء محسوبون أم لا؟ ومرة أخرى كان لا بد من البحث عن صيغة وسط يمكن من خلالها حل هذه المشكلة فتم الاتفاق على احتساب أن العبدسيحسب وكأنه ثلاثة أخماس الحر. وقد فعلها ديجول بعد أن حرر فرنسا، فأصر على أن تكون أول حكومة ممثلة للجميع من أقصى اليسار بما فيها من شيوعيين إلى أقصى اليمين بما فيها من بعض العنصريين، لكن هذا كان شرطه أن يعلم الجميع أن فرنسا لكل الفرنسيين. هذه الجهود، وهذه القدرة على صنع التوافق الوطنى والبحث عن الحلول الوسط هى جزء من بعد النظر والحكمة المتطلبة فى من يعملون بالعمل السياسى؛ وإلا لماذا قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ألا يكتب أنه «رسول الله» فى صلح الحديبية؟ نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

توافقوا أو ارحلوا توافقوا أو ارحلوا



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon