توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصراع على الوطن العربى: محاولة لقراءة خريطة الانقسامات

  مصر اليوم -

الصراع على الوطن العربى محاولة لقراءة خريطة الانقسامات

بقلم-طلال سلمان

لتركيا، بما هى وارثة السلطنة العثمانية التى حكمت باسم الخلافة الإسلامية ثم تخلت عنها، اعتزازا «بقوميتها»، تاريخ غير مضىء فى المنطقة العربية.

أما تركيا الأتاتوركية فتاريخها، مع «العرب» خاصة، حافل بالمظالم والقهر وإنكار الهوية والاحتقار ثم التعالى والادعاء الفارغ إلى حد التخلى عن لغة القرآن (الحرف العربى) التى كانت السلطنة تعتمده، والهجرة إلى لغة هجينة حرفها غربى وتركيبتها خليط من العربية واللغات الغربية وبعض اللهجات التركية المنقرضة.

وإذا ما تجاوزنا «السلطنة» وتوقفنا عند مرحلة حكم «الاتحاد والترقى» واجهتنا الحرب العالمية الأولى التى تحالفت فيها تركيا مع ألمانيا، وكان ضحاياها من العرب فى مصر وفلسطين ولبنان وسوريا ــ أكثر من ضحاياها من الأتراك، ثم إنها انتهت بتقاسم الأرض العربية بين الإنجليز والفرنسيين (ويهود ــ المشروع الإسرائيلي).

أما فى الحرب العالمية الثانية فقد تلقى أتاتورك، نتيجة وقوفه «على الحياد» بين التحالف الغربى وألمانيا النازية، هدية ثمينة قدمها له الغرب على حساب العرب إذ أقطعه ولايتى كيليكيا وإسكندرون السوريتين فجعلهما «بعض أراضى تركيا»، كما رغبت فرنسا فى أن «تهديه» شمالى العراق (الموصل) لكن مؤشرات وجود النفط فى تلك المنطقة جعلت بريطانيا تصر على عراقية تلك المنطقة التى وضعتها تحت انتدابها ابتداء من العام 1920.

على هذا فقد حكم شيء من التوتر العلاقات التركية ــ العربية بعنوان سوريا ومظالم السلطنة وصولا إلى مذابح الحرب العالمية الأولى التى دفع فيها عرب المشرق ثمن الهزيمة التركية أمام الحلفاء عند قناة السويس، وتراجع فلولهم ــ بكل ما نهبت و«أسرت» من جنودها العرب خلال عودتها إلى بلادها.

وبطبيعة الحال فإن قدرا من التوتر ظل يسود العلاقات العربية ــ التركية، بعنوان سوريا التى كان يستحيل أن تنسى كيليكيا وإسكندرون اللتين اقتطعهما أتاتورك منها بفضل التواطؤ الغربى معه.. خصوصا وأن نسبة كبرى من أهالى هاتين المحافظتين قد خرجت إلى الساحل السورى الممتد (اللاذقية ــ طرطوس) قبل أن تنتقل إلى حمص ودمشق وسائر المدن السورية.. وبين هؤلاء أدباء وشعراء ومفكرون وقادة سياسيون لعبوا دورا فى تعميق الفكر القومى وأسهموا فى الحياة السياسية السورية بما فى ذلك الأحزاب المنادية بالعروبة (البعث، مثلا).

ويمكن القول إن هذا التوتر ظل قائما، بل إنه وصل إلى حد تهديد تركيا بشن الحرب على سوريا حافظ الأسد «لاستضافتها» بعض القيادات التركية المعارضة (أوغلان)، ما اضطر دمشق أن تطلب إليه الخروج منها، فاصطادته المخابرات التركية فى بعض أنحاء إفريقيا الاستوائية.

أما فى عهد بشار الأسد فقد انقلبت السياسة السورية إزاء تركيا رأسا على عقب، وزار الرئيس السورى أنقره أكثر من مرة، كما جاء الرئيس التركى أردوغان إلى دمشق مرات عديدة (وعبر إلى لبنان أيضا).. وتنازل الأسد الابن عن الحق التاريخى فى كيليكيا وإسكندرون وفتح أبواب سوريا للبضائع والصناعات التركية ما ألحق أضرارا بليغة بالصناعة السورية الوطنية.

***

المحطة التالية المثيرة للانتباه فى العلاقات العربية – التركية عموما، والسورية ــ التركية خصوصا، يمكن تحديدها مع تقدم جحافل «داعش» أو تنظيم «دولة الخلافة الإسلامية» بقيادة الخليفة «أبوبكر البغدادى» لاحتلال الموصل فى شمالى العراق، عابرة مئات الأميال فى البادية السورية والصحراء التى تفصل وتصل بين الحدود العراقية والتركية، من دون أن تراه الطائرات الأمريكية أو الجيوش العراقية أو حتى الطائرات دون طيار التى كانت تجوب السماء التركية – العراقية – السورية.

ثم كان أن هُزمت جحافل «داعش» فى العراق، وكانت قد احتلت أكثر من نصف مساحته، وانسحبت – سبحان الله ــ من دون أن تراها القوات التى كانت «تغلق» حدود سوريا ــ الحرب الضارية فيها والتى لم تكن تركيا بعيدة عنها، فلا هى اعترضتها ولا اشتبكت معها.. بل تركتها «تتبخر» فى الصحراء التى جاءت منها!
وبالتأكيد فإن المقبل من الأيام سيكشف الكثير والخطير من أسرار «داعش»، والقوة التى سهلت له تحركاته وتنقلاته فى آلاف الكيلومترات من الأرض السورية ــ والعراقية على الحدود المشتركة مع تركيا.. ولا سيما بعد دخول الولايات المتحدة الأمريكية على الخط ودعمها لقوات كردية فى سوريا، وتمكينها – بفضل دعم الحوامات والدبابات الأمريكية ــ من احتلال مدينة الرقة السورية (التى بناها الخليفة العباسى هارون الرشيد على ضفاف نهر الفرات، وأعطاها اسمها) ومساحات واسعة فى الشرق والشمال من سوريا.
تبقى إيران التى تلعب دورا مؤثرا فى سوريا والعراق، والتى تجمعها ــ حتى الساعة ــ علاقات جيدة مع تركيا. 
ثم روسيا التى دخلت مسرح الشرق الأوسط بقوة، سياسيا واقتصاديا – ومن بعد عسكريا، كما فى سوريا وتركيا ومعهما إيران، ومؤخرا دول الخليج العربى بدءا بالسعودية وانتهاء بقطر (أقله كبائع سلاح متطور)!
وهكذا تتحرك فوق أرض المشرق العربى الآن، طوابير من القوات الأجنبية (أمريكية، إيرانية، تركية) مستغلة ومستفيدة من الانقسام العربى الذى تجاوز التنافس والخصومة وكاد يصل إلى حافة الحرب (فى الداخل أو مع الآخر ولو شقيقا..).

بالطبع هناك تناقضات وتضارب فى المصالح قد تتسبب فى توترات واحتكاكات وصدامات محدودة (كما بين القوات التركية التى تغزو الآن شمالى سورية بذريعة مقاتلة الأكراد المدعومة بالطيران والمدرعات الأمريكية)، وقد تهدد علاقات التحالف التاريخى.

لكن الثمن، حتى إشعار آخر، يدفعه «العرب» فى كل من العراق وسوريا وبعض أنحاء الخـليج؛ حيث لتركيا قاعدة عسكرية فى قطر، كيف السبيل إلى وقف الانهيار والفرقة والتفكك وسائر الأمراض التى تضرب الجسد العربى وتنهكه وتجعله مشاعا لكل قادر على أخذه، بدءا بالعدو الإسرائيلى فى فلسطين وما جاورها من أراضٍ عربية، مرورا بسوريا والعراق، وصولا إلى أقطار شبه الجزيرة العربية، السعودية والبحرين والإمارات وقطر؛ حيث القواعد العسكرية الأمريكية وارتهان الاقتصاد للدولار الأمريكى، وارتهان القرار السياسى معه؟!

***

بعد مائة عام على انتهاء الحرب العالمية الأولى التى قسمت فى ضوء نتائجها أقطار المشرق العربى، خصوصا، على المنتصرين (بريطانيا وفرنسا) قبل أن تتقدم الولايات المتحدة بفضل النفط ــ لتضع يدها على شبه الجزيرة العربية، بالشراكة، مع بريطانيا ثم منفردة، وأخيرا بالشراكة مع إسرائيل.. ومن ثم على قرار العرب ليس فقط بالحرب والسلم، بل كذلك على مصائر الدول القائمة ذاتها، والمهدد بعضها بالتفكك وبعضها الآخر بأن يعود إلى «أحضان الاستعمار» راضيا مرضيا.

بعد مائة عام على انتهاء تلك الحرب الأولى، ثم الثانية وما أنتجت، وأخطر ما أنتجه الاحتلال الإسرائيلى بالدعم الغربى (الأمريكي) المفتوح لفلسطين، كيف السبيل إلى تحرير هذا القطر أو ذاك بينما الإرادة العربية مرتهنة للأجنبى (ومن ضمنه الإسرائيلى..)؟!.

والسؤال عن المصير العربى جميع، وبالأقطار جميعا، وليس عن استقلال هذه الدولة أو تلك، فضلا عن أحلام الوحدة وتحرير فلسطين وبناء الغد الأفضل.

نقلا عن الشروق القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع على الوطن العربى محاولة لقراءة خريطة الانقسامات الصراع على الوطن العربى محاولة لقراءة خريطة الانقسامات



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt