توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

"في وداع

  مصر اليوم -

في وداع

بقلم : طلال سلمان
بقلم : طلال سلمان

ضع نقطة على سطر التاريخ . لبنان أنتهى . الهاوية تتسع . الآلام تتعاظم . الرؤيا عمياء . لا بارقة أمل . الطوائف قتلت لبنان ولا تريد دفنه ولا أحد مستعد لوراثة التركة المزمنة .

كان ذلك متوقعاً . شياطين الطوائف عاثت بالتجربة اللبنانية المتهالكة ، مرة تلوة مرة ، أو مراراً كثيرة . منعت عنه العافية الوطنية . لم يكن وطناً هذا الكيان . كان ملجأ مفترضاً ، فأضحى مغارة للصوص السياسة وفقهاء التبرير وأبالسة المال وعصابات النهب . ولا مرة كان لبنان وطناً . ولا مرة كان سكانه مواطنين . ولا مرة كان يتقدم ، بل كان يتراجع دائماً حتى بلغ المئة سنة وهو لقيط لطوائف سامة وطائفيين متمرسين بألاعيب معيبة وعلنية وبلا خجل .

حلمنا مراراً أن يصير لبنان دولة ، وطناً او مأوى مناسباً . فشلنا ، وكان الفشل ثقيلاً . حلمنا بديموقراطية مقبولة . منعوها عنا وعوّضوا عنها بالتوافقية النفاقية . دربونا على التعصب وعلى التكاذب . قضوا على أفكار خلاصية كالمدنية والحرية والمساءلة والمحاسبة والقضاء النزيه والإنفاق المدروس والتربية الوطنية وألف صفة من صفات المواطنة . كانوا عباقرة في الإرتكاب والإكرام . أنتزعوا منا كل ما هو جميل ونظيف وإنساني وإجتماعي وتقدمي ووطني . أقاموا لنا زرائب حيوانية ، فتحوَّل الكثيرون إلى قطعان طائفية هائجة كثيراً في ساحة “كالتوريرو” .

الغريب جداً أنهم يعرفون ما نعرفه عنهم ولا يبالون . يعرفون رأينا فيهم علناً . يعرفون أننا نعرف نهبهم وسرقاتهم وإنتماءاتهم وعقولهم الجهنمية وخياناتهم السياسية . إنهم على دين الإرتكاب والناس خلفهم على دين ملوكها . وملوكنا “زعماء” كذبة . ماهرون في الكذب والتكاذب ، وممثلون يجيدون الخيانة ببراءة كاذبة .

هذا الكيان الذي كنا فيه ، أفلس تماماً خلقياً وعقلياً ومالياً وقضائياً وصحياً وتربوياً وإنسانياً وإجتماعياً . أفلس على الملأ . ومع ذلك ، يتبارون في الرقص على جثة البلد . كل المحاولات الإنقاذية فشلت ، عفواً أفشلوها بذكاء شيطاني . وكلهم يعني كلهم . لا بريء أبداً في ما بينهم . عباقرة في الإرتكاب .

صدف أن وجد في هذه الجغرافيا الملعونة ، أناس مؤمنون بالوطن . حاولوا . فشلوا . صمدوا ثم تبدّدوا . رغبوا ثم خابوا. تأملوا ثم يئسوا . أكثرية الشعب اللبناني مؤلفة من أقليات متنازعة . هؤلاء لا يصنعون ثورة . يكتفون وبالإعلان عنها شفهياً . لا أحزاب علمانية وديموقراطية وتقدمية . لغتها خشبية . لا نقابات البتة . هياكل عظمية لا روح فيها . النقابات تابعة للطوائفيات .

دلونا على جسم سليم في هذا الكيان السقيم ؟ لا شيء يبشر بفجر . كله كالح أسود أو رمادي يعمي العيون ويطفئ القلوب .

وبعد كل ذلك ، فما العمل ؟
لم يتبقى لنا سوى الخيانة . نعم الخيانة . علينا أن نصل إلى القطيعة التامة مع هذا النظام المسخ ، هذا الكيان اللاغي للوطن ، هذا الوطن الذي يمتنع عن الحضور .

بكل موضوعية ، أعلن خيانتي لهذا اللبنان المسخ . أحببناه ، فكرهنا . قدمناه على الطائفية ، فتشبث بها . فعلنا ما نستطيع ولو قليلاً ، ولكنه تجنبنا وشرَّدنا . شعبه يملك من الذكاء والعلم والعبقرية الكثير ، ولكنه محكوم بعصابات شاطرة جداً في الغزو والفتك والبقاء وإحاطة مواقعهم بأتباع أحقر من أحقر الكائنات . يحمون محمياتهم بتأصيل التعصب والكراهية ، ويتبارون في إرتكاب الزنى السياسي في فراش الحكم الفاسق .

غداً ، سيموت اللبنانيون قهراً وجوعاً وفقراً وعوزاً ومرضاً . لم يبقى لسكان هذا الكيان رغيف خبز بسعر عرق الجبين . لا دواء غداً . الإفلاس الذي أرتكبه الحكام ، قديماً وحديثاً ، هو نتيجة طبيعية لتراخي الناس ومسامحتهم لزعمائهم . إنهم متهمون بخيانة أنفسهم لصالح مقاماتهم السياسية والمذهبية وكأنه يشبه مغاور اللصوص .

الكيان الموروث من الإستعمار ، فشل المستعمرون في إصلاحه . حاولت فرنسا محاولة خائبة . فشلت بسرعة . كيان مشلَّع بين محاور . هذا الأمر ليس جديداً أبداً . طول عمره موزع بالولاءات بين محاور ومذاهب وبلاد وثقافات . لا شيء يجمعه سوى سرقة البلد وأهله .

هل من إصلاح ؟ سؤال سخيف ومنحط . من سيقوم بهذه المهمة ؟ الناس ؟ أين هم ؟ الأزلام ؟ لقد قاموا بمهمة التدمير أنفسهم . عبث . لا حل أبداً ، لا في الأفق المنظور ولا في الأفق البعيد .

نحبك يا لبنان الذي حلمنا به وطناً . نكرهك يا لبنان الذي هو صنيعة لصوص السياسة . وأفضل ما نقوم به ، هو خيانة هذا “اللبنان” على أمل قد يكون مستحيلاً في ولادة لبنان آخر وفي زمن غير معروف .

لقد أنتهى لبنان . مات . جثته حية ترزق لأن لا أحد مؤهل لدفنه أو لقيامته .

وعليه ، سأخونك يا بلدي الحبيب . وفي عيني دموع ، وفي قلبي غصة ، وفي أفقي عتمة .

اللعنة ثم اللعنة على من قتل لبنان الذي حلمنا به وطناً ، وحوَّلوه إلى مبغى .

فوداعاً يا لبنان ، وداعا.

ضع نقطة على سطر التاريخ . لبنان أنتهى . الهاوية تتسع . الآلام تتعاظم . الرؤيا عمياء . لا بارقة أمل . الطوائف قتلت لبنان ولا تريد دفنه ولا أحد مستعد لوراثة التركة المزمنة .

كان ذلك متوقعاً . شياطين الطوائف عاثت بالتجربة اللبنانية المتهالكة ، مرة تلوة مرة ، أو مراراً كثيرة . منعت عنه العافية الوطنية . لم يكن وطناً هذا الكيان . كان ملجأ مفترضاً ، فأضحى مغارة للصوص السياسة وفقهاء التبرير وأبالسة المال وعصابات النهب . ولا مرة كان لبنان وطناً . ولا مرة كان سكانه مواطنين . ولا مرة كان يتقدم ، بل كان يتراجع دائماً حتى بلغ المئة سنة وهو لقيط لطوائف سامة وطائفيين متمرسين بألاعيب معيبة وعلنية وبلا خجل .

حلمنا مراراً أن يصير لبنان دولة ، وطناً او مأوى مناسباً . فشلنا ، وكان الفشل ثقيلاً . حلمنا بديموقراطية مقبولة . منعوها عنا وعوّضوا عنها بالتوافقية النفاقية . دربونا على التعصب وعلى التكاذب . قضوا على أفكار خلاصية كالمدنية والحرية والمساءلة والمحاسبة والقضاء النزيه والإنفاق المدروس والتربية الوطنية وألف صفة من صفات المواطنة . كانوا عباقرة في الإرتكاب والإكرام . أنتزعوا منا كل ما هو جميل ونظيف وإنساني وإجتماعي وتقدمي ووطني . أقاموا لنا زرائب حيوانية ، فتحوَّل الكثيرون إلى قطعان طائفية هائجة كثيراً في ساحة “كالتوريرو” .

الغريب جداً أنهم يعرفون ما نعرفه عنهم ولا يبالون . يعرفون رأينا فيهم علناً . يعرفون أننا نعرف نهبهم وسرقاتهم وإنتماءاتهم وعقولهم الجهنمية وخياناتهم السياسية . إنهم على دين الإرتكاب والناس خلفهم على دين ملوكها . وملوكنا “زعماء” كذبة . ماهرون في الكذب والتكاذب ، وممثلون يجيدون الخيانة ببراءة كاذبة .

هذا الكيان الذي كنا فيه ، أفلس تماماً خلقياً وعقلياً ومالياً وقضائياً وصحياً وتربوياً وإنسانياً وإجتماعياً . أفلس على الملأ . ومع ذلك ، يتبارون في الرقص على جثة البلد . كل المحاولات الإنقاذية فشلت ، عفواً أفشلوها بذكاء شيطاني . وكلهم يعني كلهم . لا بريء أبداً في ما بينهم . عباقرة في الإرتكاب .

صدف أن وجد في هذه الجغرافيا الملعونة ، أناس مؤمنون بالوطن . حاولوا . فشلوا . صمدوا ثم تبدّدوا . رغبوا ثم خابوا. تأملوا ثم يئسوا . أكثرية الشعب اللبناني مؤلفة من أقليات متنازعة . هؤلاء لا يصنعون ثورة . يكتفون وبالإعلان عنها شفهياً . لا أحزاب علمانية وديموقراطية وتقدمية . لغتها خشبية . لا نقابات البتة . هياكل عظمية لا روح فيها . النقابات تابعة للطوائفيات .

دلونا على جسم سليم في هذا الكيان السقيم ؟ لا شيء يبشر بفجر . كله كالح أسود أو رمادي يعمي العيون ويطفئ القلوب .

وبعد كل ذلك ، فما العمل ؟
لم يتبقى لنا سوى الخيانة . نعم الخيانة . علينا أن نصل إلى القطيعة التامة مع هذا النظام المسخ ، هذا الكيان اللاغي للوطن ، هذا الوطن الذي يمتنع عن الحضور .

بكل موضوعية ، أعلن خيانتي لهذا اللبنان المسخ . أحببناه ، فكرهنا . قدمناه على الطائفية ، فتشبث بها . فعلنا ما نستطيع ولو قليلاً ، ولكنه تجنبنا وشرَّدنا . شعبه يملك من الذكاء والعلم والعبقرية الكثير ، ولكنه محكوم بعصابات شاطرة جداً في الغزو والفتك والبقاء وإحاطة مواقعهم بأتباع أحقر من أحقر الكائنات . يحمون محمياتهم بتأصيل التعصب والكراهية ، ويتبارون في إرتكاب الزنى السياسي في فراش الحكم الفاسق .

غداً ، سيموت اللبنانيون قهراً وجوعاً وفقراً وعوزاً ومرضاً . لم يبقى لسكان هذا الكيان رغيف خبز بسعر عرق الجبين . لا دواء غداً . الإفلاس الذي أرتكبه الحكام ، قديماً وحديثاً ، هو نتيجة طبيعية لتراخي الناس ومسامحتهم لزعمائهم . إنهم متهمون بخيانة أنفسهم لصالح مقاماتهم السياسية والمذهبية وكأنه يشبه مغاور اللصوص .

الكيان الموروث من الإستعمار ، فشل المستعمرون في إصلاحه . حاولت فرنسا محاولة خائبة . فشلت بسرعة . كيان مشلَّع بين محاور . هذا الأمر ليس جديداً أبداً . طول عمره موزع بالولاءات بين محاور ومذاهب وبلاد وثقافات . لا شيء يجمعه سوى سرقة البلد وأهله .

هل من إصلاح ؟ سؤال سخيف ومنحط . من سيقوم بهذه المهمة ؟ الناس ؟ أين هم ؟ الأزلام ؟ لقد قاموا بمهمة التدمير أنفسهم . عبث . لا حل أبداً ، لا في الأفق المنظور ولا في الأفق البعيد .

نحبك يا لبنان الذي حلمنا به وطناً . نكرهك يا لبنان الذي هو صنيعة لصوص السياسة . وأفضل ما نقوم به ، هو خيانة هذا “اللبنان” على أمل قد يكون مستحيلاً في ولادة لبنان آخر وفي زمن غير معروف .

لقد أنتهى لبنان . مات . جثته حية ترزق لأن لا أحد مؤهل لدفنه أو لقيامته .

وعليه ، سأخونك يا بلدي الحبيب . وفي عيني دموع ، وفي قلبي غصة ، وفي أفقي عتمة .

اللعنة ثم اللعنة على من قتل لبنان الذي حلمنا به وطناً ، وحوَّلوه إلى مبغى .

فوداعاً يا لبنان ، وداعا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في وداع في وداع



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt