توقيت القاهرة المحلي 14:39:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مات الراجل الذى منع «التفافة»

  مصر اليوم -

مات الراجل الذى منع «التفافة»

معتز بالله عبد الفتاح

من يومين، مات لى كوان يو، رئيس وزراء سنغافورة الأسبق وصانع نهضتها، الرجل الذى حكم سنغافورة وهو عنده 35 سنة وظل يحكمها لمدة 30 سنة. بعد ساعات من موت الرجل كتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبى وصانع نهضتها: «رحل اليوم أحد أعظم القادة الذين مروا على قارة آسيا والعالم، الأب والمؤسس لسنغافورة الحديثة.. الصديق لى كوان يو».

تقول مجلة «السياسة الخارجية» عن هذا الرجل: إن فلسفة إدارة الأب المؤسس لسنغافورة لى كوان يو تقوم على ما يلى: الاعتقاد فى قوة السوق الحرة؛ الدور التنموى لحكومة مركزية قوية، إعادة تشكيل ثقافة الناس حتى لو على حساب الحريات الشخصية، بما فى ذلك تجريم البصق (يعنى التفافة لامؤاخذة) فى الأماكن العامة.

فى سنغافورة، أى شخص يُقبض عليه أثناء البصق يمكن أن يواجه غرامة كبيرة من ألف إلى خمسة آلاف دولار. هذا القانون هو جزء من مجموعة كبيرة من التشريعات التى وضعت فى عهد لى كوان يو، من ضمنها قيود على مضغ العلكة (اللبان لامؤاخذة)، وإيذاء الطيور فى ميادين وشوارع سنغافورة، والعبث بالمراحيض العامة، وإلقاء أعقاب السجائر والقمامة فى الشارع.

وحكاية تجريم «التفافة» لامؤاخذة، مسألة مثيرة للتأمل لأن «التفافة» جزء أصيل من الثقافة الصينية، ولا تزال الصورة الشهيرة التى التقطت لمارجريت تاتشر مع دينج تساو بينج، زعيم الصين، فى عام 1984 وتحت رجليه حاجة شبه «الحلة أو القروانة» (أعزكم الله) كى يبصق فيها شهادة على تأصل هذه العادة فى الثقافة الصينية.

طيب إيه «غتاتة» أهله دى اللى تخليه يركز فى حاجة زى كده؟ يقول أحدنا، وهو يحتسى زجاجة الحاجة الساقعة ثم يرميها فى الشارع.

الحقيقة هى لم تكن «غتاتة»، وإنما الرجل أراد أن يخلق فى ثقافة الشعب السنغافورى الشقيق فكرة «قدسية الفضاء العام».

آه، وعهد الله.

يعنى بعبارة أخرى، يخلق عند الناس فكرة أن سنغافورة الشقيقة هى وطن الجميع، وعلينا أن نحترمها وأن نحترم أهلها وحقهم فى بيئة نظيفة ومجتمع أخلاقى، ما ينفعش أنضف بيتى وأرمى الزبالة على سنغافورة، زى ما الشعب المصرى الشقيق يركب عربيته ويخاف على عربيته تتوسخ فيرمى الزبالة على مصر والمصريين من شباك العربية.

(أسمع ضحكة رقيعة أثناء قراءة المقال، ونكمل).

بس يظهر إن الأخ لى كوان يو ورفاقه أخدوا الموضوع بجد شويتين كعادتهم، وفعلاً بدءاً من سنة 1984 طبقوا القانون بصرامة فغرمت الحكومة 128 شخصاً بسبب البصق فى السنة الأولى و139 أخرى فى عام 1985.

ومن ساعتها وموضوع البصق فى الشارع ده تراجع ثم انعدم. وتراجع ده ترتب عليه أن اكتسب الشعب السنغافورى الشقيق مهارة احترام الناس التانيين (آه والله، ده فيه ناس تانيين ساكنين وعايشين معانا بس إحنا مش بناخد بالنا).

سنغافورة من أنظف وأجمل وأنجح مجتمعات واقتصادات العالم.

يقول ريتشارد فيتور، وهو أستاذ إدارة أعمال فى جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «كيف تتنافس البلدان»: «هذه التدابير التى تبناها لى كوان يو هى جزء من حزمة من السياسات التى شكلت (ثقافة التنمية) حتى يتغير فكر وسلوك المواطن السنغافورى على نحو يجعله مستوعباً لمسئوليته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية».

دول كثيرة أخرى فى شرقى آسيا تبنت نفس سياسة منع البصق، وتحول هذا الأمر إلى مؤشر فى التفرقة بين الإنسان المتحضر والإنسان غير المتحضر.

فى تفسير قراراته هذه كتب لى كوان يو عن أهمية أن يقوم المواطنون بتغيير عاداتهم السيئة والمضرة بالمجتمع والاقتصاد. يقول الرجل فى المجلد الثانى من مذكراته بعنوان: «من العالم الثالث إلى الأول: قصة سنغافورة 1965-2000»: «إن وظيفته ليست تغيير سنغافورة، وإنما تغيير طريقة تفكير الإنسان السنغافورى حتى يغير هو سنغافورة».

(اللى واقف يقعد، واللى قاعد يقف، ثم نكمل المقالة).

إيه ده؟

نغير طريقة تفكير الإنسان!!! وهل هذا ممكن يا «ابن حلّسة؟».

يبدو ذلك يا ابن «بزرميط».

الاستثمار فى البشر لا يقل أهمية عن الاستثمار فى الحجر.

بناء الإنسان لا يقل أهمية عن بناء البنيان.

أو هكذا يدعون. صباحكم جميل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مات الراجل الذى منع «التفافة» مات الراجل الذى منع «التفافة»



GMT 08:52 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

مفكرة السنة الفارطة

GMT 08:49 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

هل هناك صندوق أسود للتاريخ؟

GMT 08:47 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو أمامَ محكمة الرُّبع الأول

GMT 08:45 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

قراءة في لحظة جنوب اليمن

GMT 08:42 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إصرار الحزب والتربص الصهيوني

GMT 08:40 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

صناعة النفط السورية... فرص كبيرة

GMT 08:39 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

«بيت من الديناميت» ووهم الأمن الأميركي

GMT 08:34 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

عام آخر جديد 2026

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 09:35 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 12:36 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستوحي تصاميم الخريف من عالم الأساطير

GMT 05:47 2022 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فيرستابين بطلا لجائزة المكسيك الكبرى للفورمولا 1
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt