توقيت القاهرة المحلي 11:32:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد

  مصر اليوم -

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد

معتز بالله عبد الفتاح

لا توجد سياسة عامة ناجحة إلا وتبدأ بالإجابة عن أسئلة: «ما الذى نريد تحقيقه بالضبط؟ وكيف نحققه؟ وفى أى إطار زمنى؟ وبأى تكلفة؟»

ولا يمكن إنجاح التجربة التنموية التى نتمناها إلا بـ«إعادة هندسة الشخصية الوطنية المصرية» (Re-engineering the Egyptian national character).

ولن أفيض فى الدراسات العديدة التى أجريت فى الكثير من دول العالم على فكرة «الشخصية الوطنية» وكيف أنها إما أن تكون داعمة لمشروعات النهضة أو خصماً منها، ولكن سأكتفى بالتأكيد على أن شرط الثقافة الداعمة للنهضة شرط ضرورى، حتى وإن لم يكن كافياً بذاته لإحداث النهضة. وغياب ثقافة النهضة يعنى ببساطة أنه لا نهضة.

ولنكون أكثر تحديداً، فلنأخذ مشروع قناة السويس الجديدة مثالاً، فمن الواضح أن القائمين عليه يعلمون ماذا يريدون: ما طول القناة الجديدة؟ وما عرضها؟ وما عمقها؟ ومن أين تبدأ؟ وأين تنتهى؟ والمدى الزمنى وهناك تصور عام عن التكلفة.

ولكن المعضلة التى تواجهنا هى أننا لا نعرف «المصرى الذى نريد». ما شخصيته؟ ما موقفه من العلم والعمل؟ هل هو إنسان منغلق على ذاته يظل يتغنى بأمجاد الماضى أم لديه شعور دائم بالغيرة أن هناك من سبقنا فى معظم ميادين العمل العام؟ هل هو منفتح على العالم الخارجى يجيد لغة واحدة على الأقل على النحو الذى يجعله يعرف ما الذى يدور حوله أم هو يرى أن «الفرنجة الملاعين» على رأى جدنا الجبرتى يريدون «بالأمة سوءاً» وبالتالى يكون الأفضل هو اعتزال الخارج ما استطاع إليه سبيلاً؟

هل هو مؤمن بالتعددية الدينية سواء بين الأديان أو داخل الدين الواحد ومتعايش مع هذه التعددية وكأنها جزء من فطرة الله التى فطر الناس عليها؟ هناك من يتحدث إلى الله باللغة الإنجليزية وهناك من يتحدث إليه باللغة الفرنسية، وهكذا. وهناك كذلك من يؤمن بالله على الشريعة المسيحية وهناك من يؤمن بالله على الشريعة اليهودية وبنص القرآن الكريم «لكل جعلنا شرعة ومنهاجاً». إذن هكذا أراد الكون ربُ الكون.

هل نريد مصرياً مسلماً يعتقد بأن المسيحى واليهودى كافران بالله، أم يعتقد أن المسيحى واليهودى ليسا كافرين بالله بدليل أن القرآن الكريم وصفهم بأنهم «أهل كتاب» ولكن يكون وصف الكفر منطبقاً على كل من يؤمن بدين مخالف بمعنى أنه «كافر بالدين الآخر». فلا نقول إن مسيحياً كافر بالله أو يهودياً كافر بالله، وإنما هو يكفر (أى ينكر) الإسلام. وهذا من طبائع أى دين، أنه فى حدود ما هو مكتوب فى كتبه التى يؤمن بها أتباعه، أنه الدين الحق وأنه الدين الخاتم.

هل نريد مصرياً مؤمناً بأن العمل حق والعمل واجب؟ أم نريد مصرياً مقتنعاً بأن «قيراط حظ ولا فدان شطارة؟» هل نريد مصرياً يرى أمامه نماذج ناجحة فى العلم والطب والهندسة والمهن الحرفية من سباكة ونجارة ونقاشة أم فقط الإبداع يكون فى الفن والغناء والرقص ولعب الكرة؟

هل نريد مصرياً يشعر بملكيته لوطنه ولحقه فى أن يشارك فى تقرير مصير هذا الوطن وواجبه فى أن يحميه أم هو ساكن بالمصادفة البحتة على تلك القطعة الجغرافية المسماة جمهورية مصر العربية، التى لا يعبأ بمصلحتها ولا مصلحة أهلها ويضيع مقدراتها لأنه «مال حكومة» لا يخصه؟

لو اتفقنا على الخطوطة العامة لطبيعة شخصية الإنسان المصرى الذى نريده بعد عشر سنوات من اليوم، فستكون هذه هى بوصلة الدولة «حكومة ومجتمع مدنى» فى بناء هذا الإنسان وإمداد شخصيته بما يعينه على حسن الاختيار لاحقاً.

هذه ليست دعوة لمسخ الشخصية المصرية وفقاً لما تريده سلطة ما، وإنما هى دعوة للارتقاء بالشخصية المصرية مثلما نجحت ماليزيا فى ظل مهاتير محمد فى أن تجعل قضية مثل النظافة وقضية مثل الانضباط وقضية مثل الإتقان فى قمة أولويات الإنسان الماليزى؛ كان الإنسان الماليزى الجديد هو القادر على صنع ماليزيا الجديدة.

القضية ليست فى أن نمد المدن الجديدة بالمياه والإنسان المصرى يعتبره «ماء الحكومة» فيهدره وكأنه لا قيمة له. بناء الإنسان مقدمة ضرورية لبناء البنيان.

ملامح الإنسان المصرى الجديد هى التى ستحدد لوزارة التعليم ما الذى عليها القيام به فى مقرراتها، وهى التى ستحدد للإعلام ما الذى عليه أن يهتم به خدمة للوطن وليس فقط وفقاً لاعتبارات المكاسب المالية، وهو الذى سيحدد للدعاة والفقهاء كيف يستخدمون فقه الأولويات الذين هم به عالمون، وسيحدد لمنتجى الخدمات الثقافية من أغان وأفلام ومسلسلات التوجه العام الذى يجعله إعلاماً يجمع بين الترفيه والتنوير.

هذه هى الأجنحة الأربعة لصناعة «المصرى الذى نريد»: التعليم، الإعلام، الخطاب الدينى، المنتج الثقافى.

ولكن ما خصائص المصرى الذى نريد؟

ولو كان لى أن أفتح باب النقاش حول خصائص المصرى الذى يمكن أن ينهض بمصر فى مستقبلها فيمكن لى أن أضعها فى العشر نقاط التالية.

1- مواطن مؤمن بأن قوانين الكون والطبيعة لا تكافىء أحداً إلا إذا أخذ بأسباب العلم والتقدم، وليس بالاتكالية أو التواكلية أو الركون للغيبيات التى تدفع إلى التكاسل.

2- مواطن مؤمن بأن القانون ينبغى أن يكون فوق الجميع، وأن المساواة بين الجميع أمام القانون أصل من أصول استقرار وازدهار الدولة.

3- مواطن مؤمن بأن القضاء المستقل ضمانة لاستقرار العدل والمجتمع.

4- مواطن مؤمن بأن العلم والتعلم والتعليم ومواكبة التطورات العلمية هى طريقه نحو غد أفضل على المستويين الشخصى والوطنى.

5- مواطن مؤمن بحق الآخرين فى أن يختاروا دينهم وأن يختاروا معتقداتهم فى حدود الدستور والقانون.

6- مواطن مؤمن بأن مصر هى وطن المصريين فقط ولا يجوز الاستقواء بالخارج ضد أهلها تحت أى ظرف من الظروف.

7- مواطن مؤمن بأن نظافته الشخصية ونظافة بيته وعمله وبيئته التى يعيش فيها حق له وواجب عليه.

8- مواطن مؤمن بأن انتماءه لأى جماعة أو حزب أو قبيلة أو منطقة جغرافية أو مهنة أو ناد رياضى يأتى فى مرتبة تالية لانتمائه لمصر.

9- مواطن مؤمن بأن إتقانه لمهنته واجب عليه لأنه مسئول أمام الله والمجتمع عما هو مكلف به.

10- مواطن لا يفسد ولا يُفسد ولا يقبل الفساد، بل يسعد ويساعد الآخرين من أجل السعادة كعيش مشترك.

ولزرع القيم السابقة فى عقل الإنسان المصرى ولكى تصبح جزءاً من تكوينه الشخصى فلا بد من أن تأتى الرسائل الاتصالية المختلفة «إعلامية وتعليمية ودينية وثقافية» لتدفع فى نفس الاتجاه، وبغير هذا فسنكون كمن يتصور أن المال أو المشروعات الاقتصادية وحدها ستصنع النهضة، فكم من دول تكون ثروتها بسبب موارد طبيعية كثيفة ولكن شخصية وطنية ضعيفة، ودول أخرى لا تعتمد على الموارد الطبيعية ولكنها تعتمد على قوة الإنسان وقدرته على أن يصلح من واقعه.

هى محاولة قد تفتح باباً لنقاش جاد حول نهضة حقيقية، ولنتذكر أنه لن نصل إلى مصر الجديدة دون إنسان مصرى جديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد لا مصر جديدة إلا بإنسان مصرى جديد



GMT 08:11 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 08:09 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 08:08 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 08:07 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 08:06 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 08:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لقاء فلوريدا غير مسموحٍ له بالفشل

GMT 08:04 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

GMT 08:02 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال
  مصر اليوم - الحوثي يتوعد أي وجود إسرائيلي في أرض الصومال

GMT 09:55 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

اشتباك مسلح بين الأمن ودواعش غرب تركيا وإصابة سبعة شرطيين
  مصر اليوم - اشتباك مسلح بين الأمن ودواعش غرب تركيا وإصابة سبعة شرطيين

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 09:16 2022 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

سيارات هيونداي ترفع النقاب عن نسختها الجديدة سانتافي 2023

GMT 10:23 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

Razer تعلن عن أحد أفضل الحواسب لمحبي الألعاب

GMT 09:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

ترتيب الدوري المصري 2021 بعد نهاية الجولة 23

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 07:00 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

4 أمور يُستحبّ فعلها قبل صلاة عيد الفطر المبارك
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt