صلاح منتصر
لاحقتنى منذ الأحد قبل الماضى الاتصالات لتصحيح خطأ وقعت فيه فى المقال الذى نشرته عن المرحوم أحمد أبوالفتح الذى أنقذ رقاب ضباط انقلاب 23 يوليو من حبل المشنقة عندما أبلغ ثروت عكاشة أحد ضباط الانقلاب بحصول الملك فاروق على أسماء جميع قادة الانقلاب، مما جعل عبدالناصر يغير موعد الانقلاب من 5 أغسطس كما كان مقررا إلى مساء 22 يوليو، ولولا ذلك لتمكن فاروق من القبض على جميع ضباط الانقلاب قبل أن ينفذوا خطتهم وبالطبع كان سيحاكمهم ويعدمهم. وقد تعمدت استخدام كلمة «انقلاب» لأنها الوصف الدقيق لما كان يدبر. وهى على كل حال طبيعة الحركات العسكرية التى تبدأ بانقلاب يتم إعدام أفراده إذا فشلوا، ويجلسون على مقاعد الحكم إذا نجحوا وأيدتهم شعوبهم.
كان خطئى الذى طاردتنى الاتصالات لتصحيحه أننى ذكرت أن ثروت عكاشة هو زوج السيدة ثريا شقيقة أحمد أبوالفتح، بينما الصحيح أن السيدة ثريا بارك الله فيها ومتعها بالصحة هى شقيقة أحمد أبوالفتح وزوجة ثروت عكاشة. وقد أضاف الدكتور أحمد عكاشة إخصائى الأمراض النفسية الشهير (وشقيق ثروت عكاشة) إلى معلوماتى أن أحمد أبوالفتح لم يصدر عليه حكم بالسجن بل كان الحكم على شقيقيه محمود وحسين أبوالفتح. وزاد الزميل الكاتب الصحفى عبدالرحمن فهمى بمعلومات أكثر أوضح فيها أنه فى سنة 1955 تم محاكمة الأخوين محمود وحسين أبوالفتح أمام محكمة الثورة وتولى الدفاع عنهما الأستاذ وحيد رأفت وقد صدر الحكم غيابيا على محمود الذى كان خارج مصر بالسجن عشر سنوات، وعلى حسين الذى كان فى مصر بالسجن 15 سنة مع إيقاف التنفيذ.
ويقول عبدالرحمن فهمى أنه كان المقرر ضم أحمد أبوالفتح إلى أخويه محمود وحسين فى هذه القضية ولكن جمال عبدالناصر تقديرا لدور أحمد أبوالفتح فى إنقاذ الثورة حسب القصة التى رويتها قبل أسبوعين استبعد أحمد من المحاكمة وظل خارج مصر لم يعد إليها إلا بعد وفاة عبدالناصر وبدعوة من أنور السادات.
وأحمد أبوالفتح مادمنا فى تصحيح خطأ عنه ـ حتى وإن طال التصحيح واستغرق المساحة فهو يستحقـ هو أحد نجوم الصحافة المصرية الذى لم يأخذ حقه فى الدور الذى أداه لمهنته ولوطنه. وهو من جيل الأخوين على ومصطفى أمين وإحسان وهيكل، وقد ولد فى العام 1917. ومثل جيله دخل الصحافة عن طريق الحب وليس الدراسة المتخصصة فى الإعلام. وقد تخرج أبوالفتح فى كلية الحقوق وهى نفس الكلية التى تخرج فيها عميد الصحافة محمد التابعى وإحسان عبدالقدوس وأحمد بهاء الدين وموسى صبرى وغيرهم كثيرون (أنا شخصيا من خريجى كلية الحقوق) وقد عمل أبوالفتح وكيلا للنيابة، لكنه انتقل إلى الصحافة بعد ذلك بسبب أخيه محمود الذى يكبره بعشرين سنة والذى كان موهبة صحفية بارزة بدأت فى جريدة الأهرام وأصبح واحدا من ألمع صحفييها. وقد تزامل محمود أبوالفتح مع محمد التابعى وكريم ثابت فى غرفة واحدة فى جريدة الأهرام وكانت فى ذلك الوقت تحت سيطرة «الشوام»، فكان أن قرر الثلاثة جمع ما معهم من فلوس والخروج من الأهرام وإصدار صحيفة أطلقوا عليها اسم «المصرى» وكان ذلك عام 1936
وكعادته لم يطق التابعى صبرا فى المصرى فباع لمحمود نصيبه ليصرفه التابعى فى رحلاته التى يقيم فيها فى أفخر الفنادق، ووقع اختيار الملك فاروق على كريم ثابت ليكون مستشاره الصحفى فباع هو الآخرنصيبه فى المصرى. وبذلك انفرد محمود بالمصرى فى الوقت الذى بدأت تنمو لديه- خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية- موهبة رجال الأعمال والحصول على عدد من التوكيلات مثل توكيل شركة كوكاكولا وتوكيل سيارات الفولكس ومرسيدس وغيرها من التوكيلات مما جعله على رأس أصحاب الملايين الناجحين رغم أنه كان صحفيا لامعا إلا أنه لم يخلط أبدا بين عمله الخاص ودوره الصحفى.
وقد نجح محمود فى جر رجل أحمد ليعمل فى المصرى سكرتيرا يراقب ويلاحظ ويتعلم من الدكتور محمد مندور الذى كان يتولى مهام رئيس التحرير. وبعد ثلاث سنوات من التدريب وعقب وفاة الدكتور محمد مندور، خلفه أحمد أبوالفتح لتشهد الصحيفة عصرا جديدا من التطوير قفز بتوزيعها إلى أن أصبحت الصحيفة الأولى. فرغم أن الصحيفة كانت تمثل حزب الوفد إلا أنه قرر ألا يؤيد الوفد إذا اعتدى على الحريات فقد كان دفاعه عن الحرية منهجه إلى آخر يوم فى عمره.
وفى السنة الأولى للثورة كان كثيرا ما يخرج عبدالناصر من مجلس الوزراء ليذهب إلى صحيفة المصرى القريبة من المجلس (كان مكانها مكان دار التعاون اليوم) ويمضى الليلة مع أبوالفتح ومحررى المصرى فى حديقة الجريدة. ورغم ذلك عندما ظهر لأحمد أبوالفتح أن عبدالناصر اختار طريقا بعيدا عن الحرية والديمقراطية كتب مقالا كان فصل علاقته مع عبدالناصر عنوانه «عودوا إلى ثكناتكم».
وأغلقت المصرى أبوابها، وسافر أحمد أبوالفتح إلى الخارج، وقدم محمود وحسين إلى المحاكمة. وفى عام 74 بعد عشرين سنة أمضاها أحمد خارج مصر عاد يواصل معركة القلم دفاعا عن الحرية حتى ضد السادات الذى أعاده. كان مستحيلا أن يسكت إلا بالموت عام 2004 عن 87 سنة.