توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القطار مسرعًا!

  مصر اليوم -

القطار مسرعًا

بقلم : مصطفى الفقي

أتمثل مصر عبر تاريخها الطويل بقطار يمضى عبر الوادى ويخترق الدلتا، ويبدو أحيانًا سريعًا للغاية، وفى أخرى بطيئًا إلى حد كبير.. ومسيرة مصر عبر تاريخها تحمل هذا المعنى. وإذا نظرنا إلى أبرز محطات القطار بعد 1952 - على سبيل المثال - فسوف نرى العصر الناصرى والقطار يجرى وركابه متحمسون ولسائقه كاريزما من نوع خاص تجعل ثقة الركاب فيه مطلقة وتعطيه مساحة واسعة من التأييد الزائد والحماس الشديد، وظل القطار يجرى إلى أن استنزفت الأحداث جهده ونالت من عزيمته، فانعطف القطار فى تحويلة مفاجئة تجاه دولة اليمن تحت وَهْم تحريرها مما هى فيه والرغبة فى تكريس الزعامة العربية لمصر، ثم توقف القطار فجأة فى محطة 1967 لتشهد البلاد انتكاسة كبرى دفع الشعب المصرى فيها ثمنًا فادحًا شاركته فيه شعوب عربية أخرى، فلقد كانت 1967 هى محطة فاصلة فى التاريخ المصرى الحديث، وقد تزايدت الأمراض وتثاقلت الأعباء على الوطن اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا، فكانت النتيجة أن تدهورت صحة سائق القطار ورحل عن عالمنا عام 1970 كالأسد الجريح الذى يقاوم شامخًا حتى النهاية، ليأتى خليفته بروح مختلفة وعقلية أخرى واتجه بالقطار إلى مواجهة عسكرية حتمية مضى على حدوثها ما يقترب من نصف قرن، وكان الله مع مصر، فتحقق لها النصر وأصبحت تلك الحرب أكثر المعارك شهرة فى التاريخ العسكرى الحديث، وظل الرئيس الجديد وقد كان رجل دولة من طراز متميز يحاول إصلاح القطار والتحرك به من جديد نحو آفاق مختلفة، وقد تحقق له قدرٌ من إتاحة الحريات وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، ولكن الأوضاع الاقتصادية والظروف الإقليمية لم تكن مواتية لكى يظل القطار على سرعته دون توقف، لذلك جاءت محطة مهمة عام 1977 عندما زار الرئيس الذى يقود القطار المصرى القدس إيذانًا بتحول جذرى فى الصراع العربى الإسرائيلى، وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل بدأ القطار المصرى يراجع أوضاعه ويعيد النظر فيما جرى، وتولى قيادة القطار طيار عسكرى كان يهدف إلى تثبيت الأوضاع وترك الأمور على ما هى عليه، وقد كان وكأنه الرئيس الحارس الذى لا يحب المبادرة ولا يهوى المغامرة، فكانت النتيجة هى مرور ثلاثين عامًا من السكون حتى كانت بحق سنوات الفرص الضائعة رغم صدق النوايا غالبًا والوقوف على أرضية وطنية دائمًا، وكان القطار قبل أن يبدأ محطته الأولى فى العصر الجمهورى قد عرف تسلل بعض الشخصيات إلى مواقع السلطة تحت ستار الدين فى محاولةٍ لاختطاف البلاد إلى طريق آخر، فعرفت مصر فى الأربعينيات سلسلة من الاغتيالات التى كان مهندسها ومفجرها هو جماعة الإخوان المسلمين، التى كانت تملك رصيدًا طويلًا من الممارسة السياسية والعنف الزائد مع قدرة على تبرير الأحداث وتزييف الحقائق، ولقد حاول القطار التهدئة فى بعض المحطات لكى يتخلص من تلك الجماعات، ولكن قوى خارجية وداخلية كانت تلعب دورها النشط فى تغيير الأوضاع ودعم تلك الجماعة المحظورة، حتى هبط الربيع العربى على المنطقة - بخيره وشره - وكان الحشد الإخوانى هو أكثر التجمعات تنظيمًا مقارنة بباقى أطراف الساحة السياسية، لذلك قفز الإخوان إلى الحكم وقدموا أنفسهم أسوأ تقديم خلال عام واحد، ثم خرج كل ركاب القطار، بل أبناء المحافظات والقرى التى يمر بها فى تجمعٍ بشرى هائل، فسقط حكم الإخوان وجاء قائد جديد للقطار مضى به مسرعًا نحو غايات واضحة وأهداف محددة، فالقطار لا يتوقف إلا فى محطات بعينها بدءًا من الإصلاح الاقتصادى، مرورًا بالحرب على الإرهاب وهو يشيد فى طريقه المدن الجديدة ويطور البنية الأساسية ويمضى مسرعًا نحو غاياته، لا تستهلكه المناورات ولا تستنزفه الألاعيب، فهو ماضٍ فى طريقه لا يلتفت يمينًا ولا يسارًا ولا ينظر كثيرًا إلى الوراء.

إنه قطار الوطن الذى يقطع المسافات ويتجه بركابه نحو دولة عصرية حديثة تقوم على التنمية والديمقراطية معًا، ولكن الطريق ليس سهلًا، والزحام شديد، وتزايد أعداد الركاب مخيف، لذلك فإن الرؤية الشاملة البعيدة هى الآلية الفكرية الوحيدة لاستشراف المستقبل وفهم أبعاده وتلمس آفاقه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القطار مسرعًا القطار مسرعًا



GMT 07:42 2024 الخميس ,28 آذار/ مارس

الصفحات الصفراء

GMT 11:03 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

البابا شنودة... من حكايا المحبة (٢)

GMT 10:57 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

حرية الصحافة!

GMT 10:54 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أشغال شقة (الكوميديا) الطازجة!

GMT 10:51 2024 الإثنين ,18 آذار/ مارس

أظرف ما فى الموضوع

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon