توقيت القاهرة المحلي 15:39:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أقباط مصر

  مصر اليوم -

أقباط مصر

بقلم - مصطفي الفقي

عدت فى خريف عام ١٩٨٣ من عملى فى الهند مستشارًا للسفارة المصرية هناك، وفوجئت بأن الدنيا قد تغيرت وأن الأحوال قد تبدلت، فكل سيارة خاصة تمضى على الطريق تبدو فى الغالب وكأنها مسجد صغير أو كنيسة متحركة، فالآيات القرآنية وعبارات الكتاب المقدس والصلبان والمسابح تطوّق السيارات بشكل ملحوظ لتأكيد هوية كل سيارة بأن صاحبها مسلم أو مسيحى.

فلو حدث أى أحتكاك مرورى بين سيارة وأخرى ينتمى صاحب كل منهما لديانة مختلفة لأصبحنا أمام مشروع حادث طائفى لا مبرر له، خصوصًا أننا كنا غير بعيدين عن أحداث الخانكة والزاوية الحمراء، وكان ذلك بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بعامين تقريبًا، ولأننى معنى بالشأن القبطى فى مصر من الناحيتين الأكاديمية والعملية بعد حصولى على الدكتوراه من جامعة لندن بأطروحة تحت عنوان (الأقباط فى السياسة المصرية) لذلك وجدتنى مهتمًا بما يدور حولى فى تلك الفترة وشديد القلق من تداعيات ما يحدث واحتمالات تأثيره على السلام الاجتماعى المتماسك والوحدة الوطنية الراسخة.

لذلك ذهبت إلى أستاذى الدكتور بطرس بطرس غالى، وزير الدولة للشئون الخارجية حينذاك، وعرضت عليه مخاوفى وشرحت له المحاذير من هذه التفرقة لأن السيارات ليست دور عبادة وهى كلها سيارات لمصريين ينتمون لوطن واحد، وكان الدكتور بطرس قد كتب مقدمة كتاب مشترك بين ثلاثة من تلاميذه رغم تفاوت الأعمار وهم المستشار طارق البشرى والمستشار وليم سليمان قلادة وكاتب هذه السطور.

وكان ذلك عام ١٩٨١ وصدر الكتاب بعنوان (الشعب الواحد والوطن الواحد) وقد استمع لى الدكتور بطرس غالى فى لقائنا وناقش الأمر من أبعاده المختلفة ثم اقترح علىّ أن ألتقى بابن عمه الشهير الوزير الأسبق مريت بطرس غالى الذى كان عضوًا فى مجلس الشورى حينذاك، وبالفعل قمت بذلك واقترح علىّ الوزير مريت غالى أن نوجه خطابًا مشتركًا بتوقيعنا معًا نطالب فيه وزير الداخلية برفع الملصقات الدينية من نوافذ السيارات والاكتفاء بالتبرك برموز قليلة على اعتبار أن الدين لله وأن الوطن للجميع، خصوصًا أن قانون المرور يخول لوزير الداخلية ومعاونيه القيام بهذا الإجراء.

وكتبت فى نفس الأسبوع مقالًا فى صفحة الرأى بجريدة الأهرام بعنوان (ظواهر وفدت على مصر) مستنكرًا فى سطوره استخدام الدين فى التفرقة بين المصريين خروجًا على مبدأ المواطنة واستعادة لممارسات طائفية عفا عليها الزمن وقد كان، حتى إن الأزهر الشريف والكنيسة القبطية تجاوبا مع دعوتنا وأفتى كل منهما بأن رفع هذه الملصقات لا يمس الدين بل هو دعم لوحدة الأمة وتأكيد للسلم الاجتماعى والأمن الوطنى.

إننى أقول ذلك وأنا أحيى أشقاءنا الأقباط- الذين يبهروننى فى كل مراحل تاريخ مصر- بحرصهم على الوحدة الوطنية، وأتذكر بهذه المناسبة أننى كنت فى موسكو عام ٢٠١٥ ودُعيت لإلقاء محاضرة فى الأكاديمية الدبلوماسية هناك وكان ذلك بعد عام مرير أو أكثر من الاعتداءات على الكنائس المصرية بيد من لا يعرفون سماحة الإسلام ولا يدركون هوية الوطن الذى استوعب دائمًا كل الثقافات وهضم كافة الحضارات وحافظ على سماحة الديانات.

وأتذكر أيضًا كم كنت قريبًا من قداسة البابا الراحل شنودة الثالث، خصوصًا فى فترات الأزمات المفتعلة ذات الطابع الطائفى، حيث كنت موفدًا دائمًا من مؤسسة الرئاسة إلى المقر البابوى لمعالجة المشكلات الطارئة والسعى لحماية الوحدة الوطنية وتفعيل منطق المواطنة والعيش المشترك، وإذا كنا قد احتفلنا هذه الأيام بعيد الميلاد المجيد فإننا نتذكر روح الوحدة الوطنية فى ثورتى 1919 و2013 عندما كانت صلابة تلك الوحدة مصدر قوة حقيقية للشعب المصرى العريق.

وكم تكون سعادتى بالغة حين أقرأ مقالات رصينة لكتاب وكاتبات من أبناء الوطن من أمثال المؤرخ المستنير أحمد الجمال والكاتب الصحفى حمدى رزق وداعية الوحدة الوطنية فاطمة ناعوت والأسقف المثقف الأنبا إرميا وغيرهم من حراس الوحدة الوطنية وسدنة الكنانة أمام كافة التحديات وفى أصعب الظروف، ولقد ظلت الوحدة الوطنية هى المشروع الفكرى الذى أعمل تحت مظلته فى العقود الخمسة الأخيرة.

وكم تكون سعادة الوطن بالغة حين يشهد القاصى والدانى دخول الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى إلى مبنى الكاتدرائية ليحيى أبناءه وبناته من جموع الحاضرين والحاضرات الذين يشعرون لحظتها بدفء الروح الوطنية وصلابة الشعب المصرى الذى علّم الدنيا التسامح ونبذ الإرهاب مؤكدًا للجميع أن أم الدنيا محروسة دائمًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أقباط مصر أقباط مصر



GMT 03:22 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

متى وكيف يحاسب المسؤول؟ وكيف نواجه الفساد؟

GMT 03:20 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

رسائل الحصاد

GMT 03:07 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

علم يرفرف على ركام البيوت

GMT 03:05 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

ما بعد الاجتياح

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 05:14 2012 الجمعة ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعصار "ساندي" وظاهرة الاحتباس الحراري!

GMT 17:19 2023 الأربعاء ,15 آذار/ مارس

القبض على سارقي فيلا محمد صلاح

GMT 12:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

إليكِ أبرز قواعد الإتيكيت في المطاعم الراقية

GMT 18:59 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد الشيخ يداعب وليد أزارو في تمرين الأهلي

GMT 18:17 2019 السبت ,16 شباط / فبراير

دببة تسرق طعامًا من داخل منزل في كاليفورنيا

GMT 07:40 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

طريقة سهلة لتحضير كعكة الجبن الخفيفة

GMT 13:04 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

يسرا تؤكد أنها ستقاضي "نيويورك تايمز" بعد تقريرها عن القدس

GMT 02:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ملكة جمال العراق فيان السليماني تفوز في دعوتها القضائية

GMT 11:03 2020 الجمعة ,28 شباط / فبراير

صلاة الجمعة ممنوعة في اليابان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon