توقيت القاهرة المحلي 05:57:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن السلطة والمقاومة ... «ازدواجية» أم تكامل؟

  مصر اليوم -

عن السلطة والمقاومة  «ازدواجية» أم تكامل

عريب الرنتاوي

نجحت مصر، ومن خلفها محور إقليمي – دولي وازن، بتحييد قطر وتركيا عن مساعي الوساطة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حتى أن الدولتين الحليفتين لحماس (والإخوان عموماً)، لم يطلب منهما سوى ممارسة الضغط على حماس للقبول بوساطة القاهرة واعتماد مبادرتها كأساس لاتفاق التهدئة، مشفوعة بمذكرة تفسيرية.
إن صح مثل هذا التقدير -والأرجح أنه صحيح- في ضوء ما يتسرب من معلومات عن مداولات القاهرة ومفاوضاتها الماراثونية، فإنه من المنطقي أن ترتبط آليات التهدئة ورفع الحصار، بتعزيز مكانة السلطة في قطاع غزة، فهي المولجة بملف إعادة الإعمار، وحرسها الرئاسي هو من سيتولى الحدود والمعابر، والأرجح أن أية ترتيبات لاحقة في شأن المطار أو الميناء، إن أمكن الوصول إلى اتفاق بشأنهما، ستكون من نصيب السلطة لا حماس.
من التهدئة فصاعداً، ستكون السلطة، لا حماس، هي العنوان الرئيس في قطاع غزة ... ولكي تقوم السلطة بأدوارها المطلوبة من إدارية ومالية وأمنية وسياسية، فإن من المنطقي، أن تكون حاضرة بأجهزتها ومؤسساتها ووزاراتها وأمنها و»عسكرها» هناك، بل وان تكون حاضرة بقوة، وجنباً إلى جنب مع الوجود الكثيف والمهيمن لحماس في القطاع، وفي الميادين العسكرية والأمنية والاجتماعية والسياسية كذلك ... ما يعني أننا سنكون حتماً، أمام نوعٍ من «ازدواجية السلطة» على هذه المساحة الصغيرة بجغرافيتها، الكثيفة بسكانها، والكبيرة بمقاومتها وصمودها وبسالتها.
تجارب المقاومة الفلسطينية مع «ازدواجية السلطة» انتهت بالحسم المكلف غالباً ... في الأردن قبل العام 1970 وفي لبنان بعد ذلك وحتى العام 1982 ... وعلى الساحة الفلسطينية (غزة تحديداً) لفترة قصيرة امتدت من 2006 – 2007، ما يقرب من العام أو أزيد قليلاً ... جميع هذه النماذج انتهت إلى حسم الازدواج، بعد صراع طويل بين حسابات الدولة ومتطلبات الثورة، وهو صراع يبدو حتمياً، كما تشير لذلك تجارب عدة.
لبنان، قدم نموذجاً مختلفاً عن مسألة العلاقة بين «الدولة» و»المقاومة» ... هنا المقاومة أقوى من الدولة، والأخيرة موزعة على الطوائف فيما يعطي «الجيوبوليتكس» للبنان ميزة لا تتوافر لغزَّة أو فلسطين، سواء لجهة تداخل الجغرافيا بالديموغرافيا، أو لجهة «العمق الجغرافي» وشرايين الحياة، أو لجهة الإرث اللبناني الطويل في طلب الحماية الدولية والإقليمية، ومنذ عصر الإرساليات في القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا ... هذا الفوارق، لا تشجع على الأخذ بلبنان كأنموذج قابل للتكرار، بالذات، بعد كل ما شهدناه في السنوات الأخيرة، من حالة اصطدام مستدامة، بين حزب الله وكثير من مكونات الدولة والمجتمع اللبنانيين، حتى أن معادلة «الجيش، الشعب والمقاومة»، لم تعد قابلة للتداول في أي بيان وزاري أو حكومي.
كيف سيدير الفلسطينيون أمر «ازدواجية السلطة» في المرحلة القادمة؟، وما العناصر التي تدفع باتجاه ترجيح التكامل والتوافق على إدارة المرحلة المقبلة، وتلك التي تثير التشاؤم، بل وتنذر بالصدام الحتمي، وربما العودة إلى مربع الاقتتال الداخلي، حسماً لـ «ازدواجية السلطة»؟
الأصل، أن كلا من السلطة والمقاومة، لديهما مصالح ومنافع مشتركة في العيش والتعايش معاً ... لا رفع للحصار من دون السلطة، ولم يكن رفع الحصار ممكناً من دون المقاومة .... وكلا الفريقين لديه مصلحة حقيقية، في إبقاء «وهج» القضية الفلسطينية وصدارتها لأجندة الإقليم والمجتمع الدولي.
والأصل أيضاً، أن أحد أهم وأبرز دروس الحرب على غزة، إنما يتجلى بقدرة الوحدة الوطنية على درء المفاسد وجلب المنافع ... الأصل أيضاً، أن وحدة الشعب والبرنامج والإرادة والمؤسسات، هو شرطٌ مسبق، يؤمن الشعب الفلسطيني أنه من دونه، لن يصل يوماً إلى ضفاف العودة والحرية والاستقلال.
إن الإقرار بهذه الحقائق، لا يعني أن عناصر الاصطدام، قد لا تتغلب في مرحلة من المراحل على حوافز الوحدة ومزايا التعايش ... فالمقاومة بكم طبيعتها وتعريفها، ستمضي في طريق بناء قدارتها العسكرية بشتى الأشكال والأساليب، و»السلطة» بحكم مكانتها، وبموجب اتفاقات التهدئة وآلياتها، مكلفة بذل كل جهد لمنع ذلك ... صحيح أن إسرائيل وحلفائها والمتواطئين مع مرامي عدوانها، عجزوا عن تحقيق هدف «نزع سلاح المقاومة»، لكن الصحيح أن كل مجريات التفاوض في القاهرة، وكل ترتيبات اتفاق التهدئة، مصممة عن سبق الترصد والإصرار، لسدّ السبل في وجه إعادة التسلح وإعادة بناء القدرات الدفاعية والهجومية للمقاومة.
أضف إلى هذا، جميع عوامل «التنافس» و»التنازع» التاريخية والمستجدة بين جناحي الحركة الوطنية الفلسطينية: فتح وحماس، التي وإن خمدت نسبياً في أثناء المعارك في غزة، إلا أنها ما زالت جمراً تحت الرماد، وهي قابلة للاشتعال من جديد، لا سيما أن إسرائيل لن تَقَرَّ لها عين، قبل أن تنجح بإنفاذ مخططها الرامي حرق غزة بأيدي أبنائها من «الإخوة الأعداء».
أن تتجاور السلطة والمقاومة، أو أن تناما على سرير واحد، هذا احتمال لا يجوز إسقاطه تماماً، أقله لعدة سنوات قادمة، قد تطول وقد تقصر ... بيد أننا في ضوء الخبرة الفلسطينية من جهة، وعمق الفجوة بين القطبين الفلسطينيين من جهة ثانية، وتفشي «لعبة المحاور الإقليمية» وتفاقم صراعتها من جهة ثالثة، والتربص الإسرائيلي الدائم من جهة رابعة ... ندرك أن جميع هذه العوامل، قد لا تكي لمنع «تجاوز» أحد الفريقين على الآخر والسعي لتطويعه والتغوّل عليه ... إننا نخشى على الوحدة الوطنية من «التهدئة» وصمت المدافع، أكثر من خشيتنا عليها في زمن الحروب والمعارك.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن السلطة والمقاومة  «ازدواجية» أم تكامل عن السلطة والمقاومة  «ازدواجية» أم تكامل



GMT 01:16 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

خطيب الكونغرس

GMT 01:15 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

معمر القذافي وجوليو أندريوتي

GMT 01:14 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

فتاة ألاباما السمينة

GMT 01:11 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

من العراق إلى لبنان... مسار النُّخب الحاكمة

GMT 01:10 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

روسيا وصدع خطوط الناخب الأميركي

GMT 01:09 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

صباح الخالد... والعودة إلى مسيرة النهضة

GMT 01:08 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

إنكار الثورة القيمية

GMT 00:11 2024 السبت ,08 حزيران / يونيو

الأحزاب والمراهنة على عقل الدولة!

إطلالات النجمة إليسا تعكس إحساسها الموسيقي

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - الإعلان عن موعد إلقاء نتنياهو كلمة أمام الكونغرس

GMT 22:06 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

مصطفى شعبان يحسم عودته للسينما بعد غياب 14 عاما
  مصر اليوم - مصطفى شعبان يحسم عودته للسينما بعد غياب 14 عاما

GMT 12:28 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العقرب الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 19:43 2021 الأربعاء ,17 شباط / فبراير

الأرصاد المصرية تكشف موعد تحسن الأحوال الجوية

GMT 12:38 2021 الخميس ,11 شباط / فبراير

معسكر مغلق لـ سموحة قبل مواجهة طلائع الجيش

GMT 05:32 2021 السبت ,30 كانون الثاني / يناير

تحقيق دولي يكشف عن مافيا متخصصة في صيد نمور الجاكوار

GMT 03:11 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

اتحاد اليد الجزائري متمسك بالمدرب الفرنسي بورت

GMT 23:25 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

كورونا في بريطانيا.. حصيلة الوفيات تتخطى حاجز الـ100 ألف

GMT 01:11 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

مصر تهزم بيلاروس بعد جارتها روسيا في كرة اليد

GMT 03:10 2021 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسباب الشعور بآلام أسفل الظهر عند الجلوس
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon