توقيت القاهرة المحلي 19:07:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الربيع المفترى عليه

  مصر اليوم -

الربيع المفترى عليه

فهمي هويدي

فى إطار عملية الجرد التى تتم فى نهاية كل عام ومستهل عام جديد استوقفنى كم السهام والاتهامات التى وجهت إلى الربيع العربى فى عدد غير قليل من الصحف العربية. كثيرون تحدثوا عن فشله وكثيرون شككوا فى دوافعه واعتبروه جزءا من مؤامرة أمريكية استهدفت إعادة رسم خريطة المنطقة، توسلت بالفوضى الخلاقة لإقامة الشرق الأوسط الكبير. وهؤلاء وهؤلاء وأمثالهم استشهدوا بما حل بالعالم العربى من اضطرابات وصراعات، منذ لاحت نذر ذلك الربيع الذى وصفه البعض بالمشئوم على أيدى من وصفوا فى الصحافة المصرية على الأقل بأنهم عملاء السفارات الأجنبية والمرتزقة وأطفال الشوارع. لم أستغرب لغة الهجاء ولا منطق الشيطنة والتخوين الذى استصحب فشلنا فى إدارة أى حوار جاد، وتسرعنا فى تحويل أى خلاف إلى صراع واشتباك تستباح فيه الكرامات والأعراض. ورغم أن ذلك مما يؤسف له لا ريب، إلا أننى معنى فى الوقت الراهن بموضوع الحملة الأخيرة، الذى أسجل عليه أربع ملاحظات. إحداها فى الشكل والباقى فى الموضوع. من حيث الشكل لاحظت تعدد مصادر الهجوم المذكور. فبعضها تبنته منابر تعبر عن أنظمة ناصبت الربيع العربى العداء منذ لحظاته الأولى خشية أن تنتقل شرارته إلى داخل حدودها. وبعضها ينتسب إلى الأنظمة التى سقطت أو تلك التى تخلخلت قواعدها واهتزت عروشها. وبعضها يعبر عن فئات صدمها فوز التيارات الإسلامية فى الانتخابات التى جرت فى بعض الأقطار فانحازت إلى مربع الخصوم والناقمين وأبدت استعدادا لتجريح وإفشال التجربة بأى ثمن، حتى لو أدى ذلك إلى تحالفها مع الشيطان. ولا يخلو الأمر من أناس تسرعوا فى الحكم على التجربة وخاب أملهم فيما علقوه عليها من آمال. ومنهم من وجد فى بعض الأخطاء التى وقعت من جانب الأنظمة الجديدة ــ فى مصر بوجه أخص ــ ما دفعهم إلى اليأس والانتقال إلى معسكر الضد. المخاصم والمناوئ. وإذا كانت تلك هى المصادر الظاهرة فى حملة التنديد والهجاء، فإنها لا تنفى وجود مصادر أخرى خفية، تندرج فيها كل الأطراف التى يسوؤها ويهدد مصالحها أى نهوض فى العالم العربى أيا كان مصدره. وهذه المصادر سأترك تقديرها لخيالك وخبراتك. ملاحظاتى الثلاث فى الموضوع ألخصها فيما يلى: (1) إننا نظلم الربيع العربى ظلما بينا إذا توقعنا ثماره أو حاكمناه بعد سنتين أو ثلاث من انطلاقه. فذلك لم يحدث فى أى تجربة مماثلة فى التاريخ المعاصر. حيث لم نعرف ثورة آتت أكلها قبل سبع أو عشر سنوات من قيامها، ولن أتحدث عن الثورة الفرنسية أو الروسية أو الإسبانية، التى لم تستقر لها الأوضاع إلا بعد عشرات السنين. وإذا وضعت فى الاعتبار أن الانتفاضات الشعبية تخرج عامة من رحم الغضب الذى خلفته أنظمة استبدادية وفاسدة، فإن الأنظمة الجديدة تحتاج إلى وقت لإزالة آثار الظلم والفساد، ثم إنها تحتاج إلى وقت لكى تتعلم كيف تحقق الحلم الذى تطلع إليه الشعب. ولا ينبغى أن يتوقع أحد أن يولد النظام الجديد كامل الأوصاف، لأنه فى أغلب الأحوال يولد مشوها ويعانى من النقائص. ومن ثم فهو يحتاج إلى وقت لكى يصوب أخطاءه ويحسن إدارة الوضع المستجد. (2) إن ثمة خطأ شائعا بمقتضاه يحصر البعض الربيع العربى فى الأقطار التى تغيرت أنظمتها فقط، لأن رياحه غيرت فى الإنسان العربى بأكثر مما غيرت فى الأنظمة العربية. أعنى أن أهم وأخطر ما فى الربيع أنه أحدث نقلة نوعية فى وعى المجتمعات العربية التى اجتاحتها الرغبة العارمة فى التغيير، واختارت أن تعلن رفضها للظلم السياسى والاجتماعى. وعبرت عن ذلك الخيار بوسائل شتى تراوحت بين تسجيل المواقف والإعراب عن الغضب عبر مواقع التواصل الاجتماعى وبين حمل ذلك الغضب إلى الشوارع والميادين، كما تراوحت بين الدعوة إلى إصلاح بعض الأنظمة وبين الإصرار على إسقاطها فى أنظمة أخرى. بسبب من ذلك فإن فشل بعض الأنظمة التى قامت خلال السنوات الثلاث الأخيرة أو تعثر البعض الآخر، لا ينبغى أن يستقبل بحسبانه نهاية للربيع أو شهادة تعلن وفاته، ليس فقط لأن ذلك يعد من قبيل التجاذبات والتقلبات المتوقعة، ولكن أيضا لأن آفاق الربيع تتجاوز بكثير حدود أربعة أقطار عربية أو خمسة تغيرت أنظمتها أو اهتزت أركانها. (3) إن الذين يصرون على نعى الربيع العربى وإشاعة نبأ وفاته يفوتهم الانتباه إلى أن الأمة العربية استيقظت ورأت الربيع بأعينها فى الشوارع والميادين. كما أن الخبرة كشفت عن أن شعوبنا أقوى مما نظن وأن الأنظمة المستبدة والفاسدة رغم جبروتها أضعف مما نظن. لذلك فإن الباب الذى يتوهم البعض أنه تم إغلاقه، لايزال مفتوحا على مصراعيه، كما أن الحلم الذى يظن البعض أو يتوهمون أنه أجهض، لايزال حيا يتوهج فى أعين كثيرين ممن يرون ما لا يراه الآخرون. ذلك أنك لا تستطيع أن تلغى وجود الشمس وتعلن حلول الظلام بمجرد إغماض عينيك. إذ فى هذه الحالة لا يطلب منك سوى أن تفتح عينيك لكى تدرك الحقيقة. نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الربيع المفترى عليه الربيع المفترى عليه



GMT 19:07 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

الاستقطاب السياسي بالشرق الأوسط

GMT 19:06 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

حرب غزّة والمأزق الأميركي

GMT 19:03 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

إدارة «المستبد العادل»

GMT 19:02 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

أوان الورد

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

اتفاق التهدئة على المحك

GMT 18:58 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

التاريخ حاسب مارادونا وليس الحكم!

GMT 18:57 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

«فيتش» في وجهها «نظر»!!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:37 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية
  مصر اليوم - زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية

GMT 02:00 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

حكايات السبت

GMT 01:37 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 400 شخص إثر زلزال ضرب المناطق الحدودية بين إيران والعراق

GMT 07:47 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

سهر الصايغ سعيدة بنجاح مسلسل "ولاد تسعة"

GMT 22:15 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مؤشر بورصة لندن يغلق على ارتفاع طفيف الثلاثاء

GMT 07:43 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

فوائد الشليم

GMT 14:22 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب المصري يعتذر لسفير مصر في غانا محمد حيدر

GMT 11:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

كارمن سليمان تنشر فيديو عفوي تضع فيه المكياج

GMT 06:58 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"كورونا" يراوغ في مصر وأرقام الإصابات خير دليل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon