توقيت القاهرة المحلي 08:16:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

والجسد أول القهر والسيطرة

  مصر اليوم -

والجسد أول القهر والسيطرة

وائل عبدالفتاح

المدهش فعلًا أنه ليست فقط أفكارهم قديمة.. لكن أدواتهم أيضًا. نعم العائدون إلى السلطة.. إنهم جدد لكن عائدون.. وجوه لم نرَها من قبل لكن أدواتهم قديمة جدًّا. ولهذا ستجد بجوارهم خبراء المراحل السابقة من حكماء وكهنة وخبراء فى القمع والتعذيب وغيرهم فى إدارة مصانع الفضائح. هذه هى الأدوات.. وهذا هو العصر الفيكتورى المصرى. وستجد مثلًا أخبارًا وقصصًا عن اغتصاب الرجال فى السجون «راجع تقريرًا من أيام لصحيفة (الجارديان) الإنجليزية.. عن شهادات لمسجون إسلامى وآخر علمانى عن تفاصيل التعذيب الجسدى لهما..». وستجد فى نفس الوقت نشر فضائح تثبت أنهم أخلاقيون جدًّا.. كيف يمكن أن تكون أداة قهرك للمسجون هى انتهاك جسده.. ثم تطارد المثلى جنسيًّا باعتباره مجرمًا..؟ هل تتصوّر أن الحكم ممارسة تلك الذكورة العدوانية/المجرمة؟ وماذا تفعل مع زوجتك؟ كيف تنام معها بعد اغتصابك للمساجين؟ كيف ترى زوجتك وعائلتك بعد مشاركتك فى صنع فضيحة جنسية؟ انظر لتعرف كيف يحوّل هذا القهر الفيكتورى كل المشاركين فيه «الحكام بأدواتهم المجرمة والجمهور الذى يلوك الفضيحة ويسكت عن انتهاك الآخرين» إلى «كائنات كارهة للحياة» تمارس انحطاطها على أنه قيم عليا..؟ عندما نشرت فصولًا من كتاب «الروض العاطر» (ضمن ملاحق عن الكتب الممنوعة فى صحيفة «الفجر» سنة ٢٠٠٦).. فوجئت برد الفعل.. نشرته يومها ضمن 3 كتب محرّمة، لكنه وحده الذى أثار الحوارات واللعنات والغمزات. على تليفون الجريدة.. وفى برامج الفضائيات.. وضمن رسائل الموبايل القصيرة.. وعلى ناصية باعة الصحف.. وفى المقاهى. الروض العاطر لا غيره. رغم أننا نشرنا النص الكامل لكتاب علِى عبد الرازق «الإسلام وأصول الحكم» أقوى كتاب فى رفض الدولة الدينية. ونشرنا أيضًا فصل معجزة العذراء من كتاب صادق جلال العظم «نقد الفكر الدينى»، فإن الروض العاطر.. كان الصدمة. لم يتخيّل قراء أولى سنوات الألفية الثالثة أن هناك كتاب تربية جنسية من تأليف شيخ متخصّص فى الفقه.. وموجّه أساسًا إلى الوزير «أى أعلى سلطة فى تونس». القراء تعوّدوا على أن الجنس.. مشروع خطيئة. لا مكان له فى النور والعلن.. بل فى كهوف سريّة.. وفى علب بيع المتع الرخيصة. الجنس ليس علاقة حرية أو.. رحلة فى سبيل لذة «ربما أقوى لذة».. يتحرّر فيها الجسد وتطير الروح خفيفة. الصدمة هذه المرة لم تتعلّق بفكرة سياسية كبيرة مثل الخلافة. يقدّمها المهووسون بالتنظيمات الدينية على أنها روشتة الخروج من أزمات الدولة الحديثة. ولا لعبة استخدام جنرالات الملكية العسكرية لفكرة انتظار الناس الغلابة للمعجزة من السماء.. وتحويلها إلى غطاء لهزيمة ثقيلة. كتاب التربية الجنسية كان هو الصدمة. ببساطة لأن الجنس هو الوتر الحساس الذى نخفيه تحت أغطية ثقيلة من عادات النفاق الأخلاقى. نشرت فى الملحق التالى كتابًا آخر أكثر شهرة ومن نفس القائمة المحظورة هو «رجوع الشيخ إلى صباه». اسم شهير فى التربية الجنسية الشعبية. والمدهش أنه بقراءة لا تستدعى أسلحة الأخلاق الرشيدة سيكتشف القارئ أن أغلب الخيال الشعبى عن الجنس مستمد من «رجوع الشيخ». وكتب التربية الجنسية القديمة.. هى نافذة على التفكير واتصال مع فنون الحياة الممنوعة على الناس. الكتاب ممكن أن يكون غريبًا عن ثقافة هذه الأيام. أولًا من ناحية مصطلحاته المهجورة.. وثانيًا من استخدام تعبيرات فى وصف العلاقات والأعضاء الجنسية أصبحت الآن فى خانة الكلام العيب والأوصاف البذيئة. وهذا دليل آخر على أن الأخلاق نسبية وتتغيّر حسب العصر والثقافة.. والمجتمع. فهذه الكلمات كانت عادية.. والآن هى عارية. ولهذا فإن قراءة كتاب رجوع الشيخ «الحافل بأوصاف ووصفات تهدف كلها إلى سعادة الجسد وراحة الروح فى رحاب لذة الجنس».. ومن قبله الروض العاطر.. هو نوع من الرغبة فى التواصل مع ثقافة حب الحياة. هذه الكتب كانت تمنح المعرفة لمجتمعات تعبر من البدوية إلى الحضارة. تحاول اكتشاف دروب المتعة وأسرارها. ولا نعرف لماذا منعت ولا كيف أصبحت محرّمة. ربما نجد تفسيرًا فى أن الجنس هو أول الطريق للقهر السياسى.والكبت الجنسى هو مخزن البارود الذى يغلقه الطغاة على المجتمعات الضعيفة لتفجّرها من داخلها. السيطرة على الجسد هى سيطرة على المجال الشخصى. هى إخضاع الفرد. وإجباره على الوقوف فى طابور الثقافة العمومية بلا تميّز ولا ملامح شخصية. الفاشية تتكلم أولًا عن تربية الفرد.. وانضباط أخلاقه. لا تتكلم عن حريته. ولا عن عشق الحياة. والديكتاتورية تكره القراءة لأنها تعلم الفرد أن يكوّن ثقافته الشخصية بعيدًا عن بروجرام ثقافتها الرشيدة. هذه الأنظمة تطارد العقل وتمنع التفكير.. وتبدأ عادة بالجنس تجعل الكلام عنه فى خانة الابتذال. لا جنس بعيدًا عن الخطيئة. لا علاقات حرّة. ولا معرفة عن المتعة خارج الكتالوج. من هنا يبدأ القهر. من هنا تبدأ سلطة رجل الدين.. والديكتاتور. وإذا تأمّلنا كل محاولات السلطات الفاشلة سياسيًّا.. سنجدها تبدأ من الكلام عن الفضيلة والأخلاق.. لأنها أنظمة عارية - من كل قيم.. تقهر الناس وتقمعهم وتمتص قوتهم لكى تستمر فى السلطة.. وتريد تغطية مجتمع «تحت شعارات أخلاقية.. وخوفًا من مؤامرة انحلال قادمة.. لكى تشعر الناس أنفسهم بالذنب والعار». .. ولن نتغيّر إلا إذا نسفنا نفق الانحطاط الطويل.. ما تبقّى من قدرة هذه الشيزوفرينيا على أن تكون هى عنوان الأخلاق. .. لن نتغيّر إلا إذا ذهبت أخلاق فيكتوريا إلى مدفنها دون أسف.. بكتابة على المدفن تقول: الأخلاق الوحيدة هى احترام حقوق وحريات الآخرين. كن متزمِّتًا لكن ليس من حقّك أن تفرض التزمُّت. أنت حر فى أن تكون محافظًا، لكنك لست حرًّا فى تخيّل أنك بوليس على حريتى. اكتفى بما تعرفه وتعلّمته، لكن لا تجعله سدًّا عاليًّا أمام حياتى. .. لتذهب فيكتوريا وحزبها فى مصر إلى جحيم لا قرار له.. فأنتم أفسدتم حياتنا رغم أنكم بلهاء لا مكان لكم إلا حديقة مفتوحة.. يشاهد فيها الإنسان العصرى بقايا منقرضة من الإنسان الفيكتورى. "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

والجسد أول القهر والسيطرة والجسد أول القهر والسيطرة



GMT 02:01 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

سنة ثالثة شعر

GMT 01:57 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللاجئون في مصر... تراث تاريخي وتذمر شعبي

GMT 01:54 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أزرار التحكم... والسيطرة!

GMT 01:52 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

أميركا النازعين وأميركا النازحين

GMT 01:48 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

عن سجننا بين إدوارد سعيد ونتنياهو

GMT 01:44 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

فيلبي وحفيدته سارة... وإثارة الشجون

GMT 01:36 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

«رؤية 2030»: قارب النجاة في عالم مضطرب

GMT 00:10 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

قواعد اللعبة تتغير من حولنا!

GMT 00:49 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي
  مصر اليوم - محمد ثروت ينضم لـ«عصابة المكس» بطولة أحمد فهمي

GMT 09:48 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

أستون فيلا ضيفًا على فولهام في الدوري الإنجليزي

GMT 23:11 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على تراجع

GMT 10:11 2020 الإثنين ,24 آب / أغسطس

عبد السلام بنجلون يتعافى من كورونا

GMT 20:36 2020 الأربعاء ,22 تموز / يوليو

حصيلة وفيات كورونا في المكسيك تتخطّى 40 ألفاً
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon