توقيت القاهرة المحلي 09:31:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أزرار التحكم... والسيطرة!

  مصر اليوم -

أزرار التحكم والسيطرة

بقلم - حسين شبكشي

قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بسنة واحدة، وتحديداً في الشهر السادس من عام 1944، انعقد مؤتمر في فندق جبل واشنطن بمنطقة بريتون وودز في ولاية نيوهامشير بأميركا، حضر المؤتمر، الذي عُرف بعد ذلك تاريخياً، بـ«مؤتمر بريتون وودز»، 44 دولة. كان الهدف الأساسي من المؤتمر، بحسب ما أُعِلن وقتها، هو وضع خطة اقتصادية كبرى لوضع العالم في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية يتضمن التعاون الاقتصادي الدولي وإعادة الإعمار، ونتج من هذا المؤتمر ولادة مؤسستين عملاقتين، هما «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي». وكان ذلك الأمر أولى لبنات لما عرف وقتها بالنظام العالمي الجديد.

والمؤسستان العملاقتان لا تخضعان للأسس الديمقراطية التي عُرفت عنها الدول الغربية المسيطرة على القرار فيهما، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية صاحبة القوة الأكبر نفوذاً وتأثيراً، فرئاسة كل مؤسسة منهما لا تتم بالانتخابات وإنما بالتعيين، وجرى العُرف أن يرأس البنك الدولي شخصية أميركية ويرأس صندوق النقد الدولي شخصية أوروبية، يتم اختيارهما بشكل أساسي من قِبل أميركا، وهناك شُح كبير في تطبيق الشفافية والحوكمة فيهما.

وعبر السنوات التي تلت بداياتهما لم يكن غريباً اكتشاف حالات كثيرة جداً؛ إذ تم توظيف قرارات المؤسستين لتتماشى مع توجهات سياسية محددة ومصالح استراتيجية معينة للمعسكر المسيطر على القرار فيهما.

فبات من المعتاد رؤية دول تنهار تحت ركام الديون وأعباء القروض ومهالك التضخم وتتحول دولاً منتهية الصلاحية وفاقدة السيطرة على قدراتها ومواردها، وهناك عدد كبير من الأمثلة لدول في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا يؤيد هذا الكلام بشكل أكيد وموثق.

وبالتالي، تم اعتبار هاتين المؤسستين إحدى أهم «الأسلحة الاستراتيجية» الموجودة في ترسانة الغرب، وأصبحتا إحدى أهم أدوات الغرب للتأثير والاستعمار الجديد بأكبر قدر من الفاعلية، وبأقل قدر من الأضرار.

يضاف إليهما القوة غير المسبوقة للعملة الأميركية (الدولار)، والتي تحولت مع الوقت عملة تجارة واستثمار وتحويلات العالم غير الرسمية؛ مما منح الولايات المتحدة الأميركية بعداً غير تقليدي لقوتها السياسية عن طريق بوابة المال، وهي بذلك تتفوق على النماذج الغربية التي سبقتها مثل الشركات الهولندية أو شركة الهند الشرقية التي كانت تتبع للتاج البريطاني.

كنت مؤخراً مع مصرفيّ عربي مرموق ومخضرم، عمل مع عمالقة الصيرفة العالمية، وكنا نتباحث في مختلف المواضيع السياسية والاقتصادية وكان تعليقه اللافت هو: «ما دامت أزرار التحكم والسيطرة في أيدي أميركا ستبقى هي القوى الأعظم»، وتوسع في شرح مقصده بقوله: «عندما أقدمت تركيا، وهي العضو في حلف الأطلسي بالتهديد على شراء الصواريخ الروسية كان الرد الأميركي هو إنهاك الاقتصاد التركي وتدمير الليرة، ووصلت الرسالة من دون إطلاق رصاصة واحدة، والشيء نفسه حدث مع الصين والتي كان صعودها ونموها الهائل يهدد الهيمنة الاقتصادية للولايات المتحدة على العالم؛ فقامت برفع عنيف للفائدة مما كان ترجمته العملية عدم قدرة أسواق مستهلكي المنتجات الصينية من شراء احتياجاتها منها وانهيار الشركات العقارية الصينية نتاج ذلك، وبالتالي أصاب الصين ركود وتباطؤ اقتصادي لم تألفهما من قبل».

هناك كتاب مثير ومهم يوضح هذه المشاكل بشكل أدق، وهو «اعترافات قاتل اقتصادي» بقلم جون بيركنز... يمثل قتلة الاقتصاد مجموعة محترفة من الخبراء الذين يتقاضون أجوراً مرتفعة في مقابل خداع بهدف ابتزاز تريليونات من الدولارات. يوجِّه أولئك الـ«قتلة» الأموال من البنك الدولي، الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إلى جانب مؤسسات إغاثة أجنبية أخرى، إلى خزائن وأرصدة حلقة ضيقة من كبريات الشركات التي تتحكم بمصير ثروات العالم. تشتمل أدوات أولئك القتلة على تقاريرَ مالية مزيفة، وانتخابات مزورة، ودفع الأموال، والابتزاز، والرذيلة، عدا عن القتل. إنهم يمارسون اللعبة القديمة، لكن مع أبعاد جديدة ومرعبة ضمن عصر العولمة. يكشف الكتاب عن جملة من المؤامرات الدولية في إقناع البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة بقبول قروض ضخمة لتطوير البنى التحتية، والتأكد من التعاقد مع الشركات الأميركية على المشروعات المربحة. وبعد أن تمسي مثقلة بالديون الضخمة، تخضع هذه البلدان تحت سيطرة حكومة الولايات المتحدة والبنك الدولي ووكالات المعونة الأخرى التي تهيمن عليها الولايات المتحدة التي تملي شروط السداد وتهيمن على القرارات الحاسمة. بعد سقوط الاتحاد السوفياتي خطب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب وقال كلمته الشهيرة إنه «يسعى لإيجاد نظام عالمي جديد» يقصد به العولمة، واليوم على ما يبدو أن العالم في حاجة ماسة أكثر من ذِي قبل إلى نظام عالمي جديد، فما دامت «أزرار التحكم والسيطرة» بيد فريق واحد سيبقى الوضع على ما هو عليه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أزرار التحكم والسيطرة أزرار التحكم والسيطرة



GMT 09:13 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مبروك للأبيض.. عقبال الأحمر

GMT 09:11 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

ماذا بعد رئيسى؟

GMT 02:27 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تحشيش سياسي ..!

GMT 02:21 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

السلطة والدولة في إيران

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال

GMT 15:00 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

محمد الحنفى يؤكد انتظاره إدارة القمة منذ 3 سنوات

GMT 05:38 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

انطلاق أول رحلة لطائرة في الصيف "Stratolaunch"

GMT 10:06 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

هادجنز تتألق في تقديم مجموعة "سينفول كلورز"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon