توقيت القاهرة المحلي 06:18:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السياحة إلى مبارك

  مصر اليوم -

السياحة إلى مبارك

وائل عبد الفتاح

إنهم ينظمون رحلات إليه. يلتقطون صورا بجواره/ قطعة حية من زمن يموت/ ومبارك لا يخذلهم يضع الصبغة على شعره ويكمل مكياجه القديم/ ليبدو فى صورة نظره مع نظرته نصف المنهكة. يتكلم مبارك كثيرا/ ويحدث مساعديه الذين خرجوا حديثا من مزرعة طرة.. وقبل أن يختم مكالمته يضحك وهو يقول: «..أنا عارف إنهم بيسجلولنا..». يظهر مبارك كأنه خبير أنتيكات قديمة/ يتخيل أن عالمه لا ينتهى/ أبدى/ وأنه «العالم..» وليس مجرد زمن مضى/ دفع الآلاف حياتهم ثمن الخروج منه. يبدو مبارك فى رحلاته تمساحا عجوزا/ غمز للزمن بعينه اليمنى/ نظرة تحدٍّ تائهة بين شعور بالنصر/ وشعور أقوى منه بالخيبة والهزيمة/ فكيف يكون الإله الذى تتحرك مصر كلها بتوجيهاته هناك فى صندوق زجاجى/ يثير تعاطف جمهوره المشتاق إلى ساحة سياسية تشبه مسلسلات رمضان/ دراما مسيطر عليها تثير المشاعر بدرجات تحقق فى النهاية شعورا بالرضا وتطهيرا من الخوف. المناخ الآن يجعل السياسة فيلم عنف/ أكشن/ وهذا ما يثير الحنين إلى بطل المسلسل الأطول فى تاريخ مصر/ الذى يشبه حلقات التليفزيون الطويلة التى تسمى أوبرا الصابون، حيث كانت شركات صناعة الصابون فى أمريكا تدعمها بالإعلانات لتسيطر على جمهور البيوت من آكلى السباجيتى ويحتاجون إلى الدخول فى قصص يتخلصون بها من إرهاق الحياة بل ويستبدلون بها الحياة. جماهير أوبرا الصابون اشتاقت إلى بطلها الذى خرج بحكمته وصبغته ورؤيته التى لم تغيرها أحداث تشبه يوم القيامة… مبارك ما زال فى موقعه النفسى/ موظف يستف الورق من أجل أن يستمر ملتصقا فى مكانه/ سواء كان كرسيا فى القصر أو سريرا طبيا فى زنزانة. وفى الرحلات إليه يتكلم مبارك كثيرا ودون أن يلح أحد. يروى بطولاته فى الحروب/ وينظر فى عين زواره ليذكرهم بتلك اللحظات التى صنع منها جسره إلى كرسى السلطة.. وزوار مبارك يحكون عن رحلاتهم إليه.. والروايات تحول مثل حافظة حكايات/ أو الوعى المخزون لزمن لا يريد أن يغادر مصر.. رغم أن الثورة أحدثت فجوة زمانية… لكن هناك ما لم تتم روايته… أو ما خفى من ذاكرة لم يملكها سواه. الرحلات إلى مبارك هى نزهة أجيال… أو مخزونها المحفور فى ذاكرة لم تعد تحت سيطرة الوعى اليقظ/ لكنها رهن مزاج دفاعى عن النفس. مومياء… تتكلم… هذا هو مبارك أو الوعى الرابض فى ليل الأنظمة/ الذاكرة المؤرقة…يدافع عن نفسه: «..بيقولو إن أنا الحرامى، أنا؟ يدوروا فى ممتلكات الـ40 بتوع الأمانة..(ويذكر اسم تكوينات فى هيئات عسكرية وسرية).. ليروا القصور والمزارع والحسابات….». ذاكرة منفلتة تبدو أحيانا فاضحة/ وتروى بالتفاصيل أو تخزن فى ذاكرات عابرة تفاصيل حكايات لم يكن ليعرفها سوى الرجل القابض بقبضة موظف.. أى أنه هاوى أضابير وعاشق تستيف أوراق… ويعرف أين تخبئ الثعالب التى رباها… صيدها… هو خبير بالرجال الذين تركهم فى مقاعدهم عشرين سنة… وبينهم المشير طنطاوى.. «..عرضت عليه منصب النائب….(يقصد فى أيام الثورة الأولى)… لكن رده كان نهنهة…(يقلده..) وطلب (خلينى بالميرى)…. وهو بالفعل يدرك أن قوته فى الميرى.. وهو لن يمس ما دام السيسى موجودا… فطنطاوى أبوه الروحى، أما السيسى نفسه فالتعليق الذى يردده دائما عنه: (لم يحارب..)». لا تعرف المسافة بين الحقيقة والخيال فى الروايات المنقولة عن الرحلات إلى مبارك.. لكنها تقال فى جلسات اجتماعية وسياسية… لتثير شيئا بين الضحك.. والرهبة من فتح هذه الصناديق، وإلى أى مدى ستؤرق تلك الذاكرة… شخصيات يراها مبارك فى غير ما أصبحت عليه الآن، فهذا المرشح الثرثار الذى عمل بجانبه طويلا يراه: «..صاحب ناب أزرق..». عنده حكايات عن كل شخصية قديمة/ وخزينة أسرار يترك محتوياتها وديعة لزواره وربما لمن هم قريبون منه/ وهذه على ما يبدو نصيب المومياء فى مستقبل قريب... أو التى تبدو زيارتها والدوران حولها... سياحة من نوع جديد. نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياحة إلى مبارك السياحة إلى مبارك



GMT 05:24 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أحزان عيد القيامة!

GMT 02:58 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عبودية لطيفة

GMT 02:54 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

تحديات القمة العربية في البحرين

GMT 02:52 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

أهكَذا «البدرُ» تُخفِي نورَهُ الحُفَرُ؟!

GMT 02:49 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

عن «الرجل الأبيض»!

GMT 02:42 2024 الأحد ,05 أيار / مايو

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٨)

GMT 16:35 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

6 خطوات لتجنب الوقوع في أخطاء فواتير الكهرباء

GMT 10:40 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

كهربا يستعد للمشاركة مع الأهلي في «موقعة الوداد»

GMT 06:41 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

الطب الشرعي يوقع الكشف على ابنة نهى العمروسي

GMT 22:53 2020 الجمعة ,21 آب / أغسطس

الصين تسجل 22 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 07:42 2020 الأربعاء ,27 أيار / مايو

10 نجوم بالمجان في دوري أندية أوروبا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon