توقيت القاهرة المحلي 12:57:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مدير عموم الأدراج «2»

  مصر اليوم -

مدير عموم الأدراج «2»

وائل عبد الفتاح

كل درج له قانونه الخاص وتاريخه السرى. نجيب محفوظ هو النقطة المشتركة الوحيدة. يمكن أن تراه كما تريد. حمّال أوجه. تقليدى. مطيع فى السياسة. له «شطحات» فى الكتابة، مُلحِد. يعرف ربنا. نجيب هو كل هذا. الثقافة السائدة ممكن أن تحذف من سيرته الآن كل ما تريد ليبقى مجرد رجل «بَرَكَة»، عاش طويلًا. وحقق النصر لمصر فى المحافل الدولية. فقط. دون أفكاره، أو انحيازه للعلم حتى لو مقابل الإيمان. من دون «أولاد حارتنا» التى رأيتها دائمًا رواية ثقيلة ليست بخفة «المرايا» و«أفراح القبة» و«ميرامار» و«الحرافيش» و«الثلاثية».. و غيرها من روايات أحبها. لكنها رواية هامة فتحت طرقًا ومهدت أرضًا.. وكسرت تابوهات راسخة.. هذه متعتها التى نُحرَم منها. لا أحد يعرف أيضا كيف استمد نجيب محفوظ القدرة على الحضور المتوازن، على هامش كل سلطة وفى واجهتها الثقافية فى نفس الوقت. مدير ناجح لتناقضات يمكن أن تهدّ بلدًا كاملًا. موظف مطيع للسلطة. كل سلطة بداية من رئيسه فى العمل إلى رئيس الجمهورية. وكل رئيس له سطوة وقدرة على قهر الآخَرين. اضطُرَّ إلى السفر إلى اليمن فى عام 1962 حتى لا يُغضِب المشير عبد الحكيم عامر رغم أنه وقتها كان يعانى مرض السكّر ويحتاج إلى برنامج غذائى خاص، لكنه سافر وعاد وقد نقص وزنه 13 كيلوجرامًا كاملة مما كان سيصيبه بالهزال ويهدِّد حياته بشكل كبير. ولم تكن «أولاد حارتنا» هى الرواية الوحيدة التى نُشرت ناقصة، فهناك «الحب تحت المطر» و«الكرنك» التى حكى فيها عن دولة المخابرات فى الستينيات بتفصيل لم تتسع له قصته القصيرة «روبابيكيا». ولم تكن «الكرنك» أول رواية يقدِّم فيها نقدًا للسلطة السياسية؛ قبلها كتب قصة قصيرة يتخيل فيها سائق قطار يفقد صوابه ويقود القطار إلى حادثة مروعة. الخبراء فى قراءة ما وراء السطور روَّجوا أن القصة عن عبد الناصر الذى يمثل فى هذه القصة السائق الطائش. لكن نجيب محفوظ وصل بنقده سلوكَ السلطة السياسية إلى حدود النكتة السوداء وهلوسات المساطيل كما ظهر فى «ثرثرة فوق النيل» التى ثار بسببها المشير عامر، الرجل الثانى فى مؤسسة الرئاسة، وأطلق تهديدات جديدة بمعاقبة صاحب الثرثرة: «نجيب زوّدها قوى ويجب تأديبه، ولازم يقف عند حده»، ولم ينقذه هذه المرة إلا عبد الناصر الذى استدعى ثروت عكاشة وزير الثقافة وقتها ليشرح له تفاصيل ما ورد فى الرواية، وعندما اقتنع بأنها مجرد تنبيه لأخطاء فى النظام لا عداء له قال له: «خلاص، اعتبر المسألة منتهية». جرأة نجيب الحقيقية تبدو فى الفن، وهو الأديب الوحيد الذى أعلن محبته لصوت المطرب الشعبى أحمد عدوية، فى الوقت الذى كان يعتبره فيه مثقفو البراجوازية الصاعدة فى الستينيات «رمز الغناء الهابط الخالى من المعانى». كان نجيب محفوظ يرى أنه يمتلك صوتًا جميلًا وقويًّا، و«صحيح أن أغنياته لا تحتوى على معنى جاد، ولكنها تتناسب مع المناخ العامّ. عندما سمعت عدوية لأول مرة أعجبنى صوته وطريقته ولم أعتبره من رُوَّاد الموجة الهابطة أبدًا». فى السياسة خرج مرة واحدة عن التزام الهدوء التام. وافق على التوقيع على بيان توفيق الحكيم الشهير فى 1972 الذى أقنع فيه مجموعة من الكتاب الشباب وقتها شيوخ الكتابة بضرورة الاعتراض على حالة اللا حرب واللا سلم. يومها منع السادات كل الموقعين من الكتابة. وصل العقاب إلى محفوظ، منعه من الكتابة فى صحف الحكومة ومن الظهور فى التليفزيون ومُنعت أفلامه من السينما وتحركت حملة مسعورة ضده يتزعمها الشاعر صالح جودت الذى كان نجيب يتصور أنه صديقه. علّمته الحادثة أن لا يوقّع على بيانات تصطدم بالسلطة.. وكلما طلب منه أحد التوقيع على بيان من هذا النوع رفض بشدة وهو بضحك ضحكته المميزة: «إنت مش فاكر إيه حصل لى بعد بيان توفيق الحكيم؟ لا يا عم، مش موقع». نقلاً عن "التحرير"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مدير عموم الأدراج «2» مدير عموم الأدراج «2»



GMT 08:19 2024 السبت ,18 أيار / مايو

تأكيد المواقف

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 05:08 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 05:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 04:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

GMT 04:52 2024 السبت ,18 أيار / مايو

«كايسيد»... الحوار والسلام في عالم متغير

GMT 04:49 2024 السبت ,18 أيار / مايو

هل اختل التوازن العالمي؟

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:38 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

سمير صبري يُطمئن الجمهور بعد تعرضه لحادث

GMT 16:11 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

آيس كريم الفانيلا

GMT 09:05 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طقس الثلاثاء في مدن ومحافظات مصر

GMT 16:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اليونايتد يرفض طلب مانشيتر سيتي قبل الديربي

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

خنازير البحر أبرز الأنواع المعرّضة إلى خطر الانقراض

GMT 22:56 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

رجل مقنّع يثير الرعب بين نساء مدينة بريطانية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد أداء مناسك العمرة الأربعاء

GMT 22:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ندوة "لا تغضب" عن الإعجاز العلمي في صيدلة الفيوم

GMT 04:18 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

المصمم اللبناني إيلي صعب يطرح مجموعته لربيع وصيف 2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon