توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نزل الباذنجان للسُّوق

  مصر اليوم -

نزل الباذنجان للسُّوق

بقلم : إنعام كجه جي

هذا ما يقولُه العراقيون حينَ يَرَوْن شَخصاً يقومُ بحركاتٍ هوجاءَ... «نزل الباذنجان إلى السوق». سخونةُ صيفِنا تتكفّلُ بتحويلِ العاقلِ مجنوناً. والصيفُ اللهّابُ هو موسمُ الباذنجان. والغريبُ أنَّه ليسَ من الخضراوات، بل ينتمِي إلى عائلةِ الفواكهِ... مثلُه مثلُ الطماطم.

وسواء أكانَ فاكهةً أم من الخضراوات، فإنَّ موقعَه في قلوبِ العراقيين لا يهزّ عرشَ البامية. اختلفت أسماؤها وفق اللهجات: التوانسة يسمونَها «قناوية»، والمغاربة «مُلوخية»، في حين أنَّ لها اسماً علمياً لطيفاً هو «حَبّ المسك». أمَّا الباذنجان فقد سمّاه العراقيون «وَحْشَ الطاوة». و«الطاوةُ» لفظة أعجمية تعني «المِقلاة». يتجلَّى مذاقُه، بألذّ ما يتجلَّى، حين يُقلى بالزيت الحامي. تتصاعدُ رائحتُه فيعجز هرقلُ أبو كرش عن مقاومةِ نداء «الوَحْش».

فاكهةٌ مزواجٌ تقترن بكثير من الأطعمة. أكتب عنها لِصُدُورِ مطبوعٍ أنيق بالفرنسية عنوانه: «كتاب الباذنجان». ليس الأولَ ولن يكونَ الأخيرَ. يقولون عندنا إنَّ البنت تصبح صالحةً للزواج حين تتعلَّمُ طبخَ الباذنجان بسبع طرق. رقمٌ متواضعٌ إزاء ما نعرفه من تحضيره مقلياً مُملّحاً، أو مشوياً ذائباً، أو مُستلقياً في المرق، أو محشوّاً باللحم والأرزّ، أو مخلوطاً باللبن الرائب المثوّم، أو مكدوساً مع الجوز والشطة... هذا غير السَّلَطات والمخللات والمُقَبّلاتِ وَدَلَع البابا غنوج.

طعامُ الفقراء لأنَّه رخيص السعر. أو كانَ رخيصاً. نشتريه في بلادنا بالأكياس، وفي أوروبا بالواحدة، كأنَّها فصوص مجوهرات. ينمو الباذنجان في حوض «المتوسط»، ويتفوَّق في طبخه الشوام واليونانيون والأتراك. ولدى هؤلاء أكلة شهيرة تُسمى «إمام بايلدي»، أي «إمام مُغمَى عليه»، وبلهجتنا «مَاعَتْ رُوحُه»... أصابه انهيارٌ حين عرف كميةَ الزيت التي أهدرتها الطباخةُ في قَلْيِه.

وهو يرمز، وفقاً لبعض المعتقدات، إلى الخصوبةِ والحُبّ الجيّاش. يُقال إنَّه يسبب حصى الكُلَى، ولعلَّها مجردُ تخرّصات. فقد عرفناه أسودَ لامعاً أبيضَ القلبِ، وصرنا نراه قُرمزياً، وأبيضَ مثل العاج. يكمن سرُّه في أنَّه متعددُ المواهبِ، يستوعب أنواعَ المذاقات. وترى المؤلفةُ الفرنسيةُ، آن بيرسان، أنَّ «على المرءِ أن يعاملَ الباذنجانة معاملةَ امرأةٍ مغريةٍ على الشاطئ. يعرّيها، أي يُقشّرُها باحتراس، ثم يدهنُها بالزيت، ويتركُها تتحمَّصُ على نارٍ هادئة حتى تأخذَ اللونَ البرونزي، وفقَ إيقاعِها».

أحببنَا الباذنجان ورسمناهُ وغنَّينَا له، بل ودَعَوْناهُ إلى مسرح شكسبير. تلاعبَ المخرجُ سامي عبد الحميد بمسرحية «عُطيل»، وقدَّمها وفقَ مزاجه بكافتيريا «مسرحِ الرَّشيد» في بغداد. افترض الفنانُ الكبيرُ أنَّ طباخي أحدِ المطاعم أحبُّوا تمثيلَ تلك المسرحية في أوقاتِ فراغهم، فكان «ياغو» يقطّع الباذنجان، بينما «رودريغو» يفرمُ البصلَ، تمهيداً لطبخ المسقّعة لـ«عُطيل».

في «كتاب الباذنجان» نقعُ على 10 وصفاتٍ لتحضيره على الطريقة الفرنسية. كلُّها مسروقٌ من مطبخِنا الشرقيّ. وللمفارقة، فإنَّ هناك مثلاً فرنسياً يقول: «نحن لا نسرقُ باذنجانة مُرّة». فإذا قرَّرتَ أن تكونَ لصاً، فاسرق شيئاً ذا قيمة... انهبْ خزينةَ بلد؛ مثلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نزل الباذنجان للسُّوق نزل الباذنجان للسُّوق



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt