توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الممثل السجين

  مصر اليوم -

الممثل السجين

بقلم : إنعام كجه جي

ويأتي من يقول لك إن السجن مدرسة. هل تصدّقه؟ ماذا يمكن لفرد مسلوب الحرية أن يتعلّم في مكان كئيب قاحل مقفل على زمرة من الخارجين على القانون؟ مع هذا بقيت قصص السجون، على مرّ العقود، تُلهم الروائيين والمخرجين وكتّاب المذكرات. هناك، وراء القضبان، نفوس متوهجة ترفض اليأس، لها حكايات تستحق أن تروى. منها تلك التي يقدمها على المسرح سجين عربي سابق في فرنسا.

الممثل المنفرد على المنصة ضخم مثل بطل ملحمي. ذراعاه موشَّمتان وله صوت ينسجم مع كتلته الجسمانية. يخطف انتباهك منذ الجملة الأولى: «كنت صبياً سعيداً بين والدة مُحبّة وخالة حكاءة. كنت مراهقاً كثير المعارك، مجنداً مطيعاً وملاكماً محترفاً. لكنني ذات يوم لكمت أحدهم بقوة مفرطة. كنت سجيناً محكوماً بالحبس لست سنوات. اثنتان منها انفرادياً. كنت أباً محروماً من ابنته. ثم جاء المسرح وغيّر كل شيء. اسمي رضوان راجل وأنا اليوم ممثل».

تترافق المسرحية مع معرض غريب من نوعه بعنوان «كلمات وراء القضبان». ما الحوار الذي يجري وراء الجدران السميكة؟ مصطلحات قانونية. أوامر ونواهٍ. شتائم. صرخات ألم. أغانٍ بمختلف اللغات. كيف يمكن التواصل في مساحة خاضعة لكل أشكال المراقبة؟ أشخاص أميّون في وسط يتطلب ملء استمارات وكتابة معلومات. نظّمت المعرض أستاذة جامعية تدعى لائيليا فيرون، كانت معلمة للغة الفرنسية في السجون، وكتبت أطروحة عن العلاقة بين اللغة والسلطة. لكن هذه قصة أخرى.

موضوعنا عن رضوان، الولد الذي كبر في الضواحي ومضى يتلقّط رزقه مما هو متاح. حارس في متجر. بائع كعك على الشاطئ. مستخدم في مستشفى. ملاكم في الحلبة. وكيل مبيعات في شركة «رينو». عاش ألف حياة قبل أن يتورط في مشاجرة كبيرة قادته إلى الزنزانة. في السجن اكتشف المسرح بفضل المخرج جويل بوميرا، صاحب فرقة فنية تقدم عروضاً للسجناء. لفت الشاب الطويل نظر المخرج فانتظر الإفراج عنه. أخذه ودرّبه ومنحه أدواراً في مسرحياته ليشارك في مهرجان أفينيون. ثم جاء اليوم الذي أعلن فيه السجين السابق أنه ينوي كتابة مسرحيته الخاصة. عنوانها «في ظل عمود الكهرباء». وعمود الكهرباء في ضواحي المهاجرين هو النادي الليلي الذي يجتمع عنده الشباب. تحت ضوئه يولد التمرد وتنطلق كل النزعات.

مسرحية تأخذ المتفرج إلى تلك الدهاليز المعتمة. تحكي له عما يتركه الاحتجاز من بصمة في الروح. العزل وفقدان الشعور بالوقت. صرخات المدمنين وهرولة الحراس. وهناك لحظة النطق بالحكم. حين أصبح الملاكم مجرماً في نظر المجتمع. يحضر السجناء دورات تسمح لبعضهم بالحصول على شهادة في النجارة أو الكهرباء. يقول ساخراً إن بينهم من يتخرج بدكتوراه في الحكمة. يستشهد بأقوال فلاسفة كبار رافعاً الكلفة معهم. كأن بينه وبينهم صداقة وعِشرة. ليس في نص رضوان راجل غضب ولا مرارة. منحته التجربة حياة إضافية. يعترف للمتفرجين بنبرة خفيضة أن الكائن البشري قابل للخطأ. أن السجين ليس وحشاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الممثل السجين الممثل السجين



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt