توقيت القاهرة المحلي 15:34:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير

  مصر اليوم -

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير

بقلم - مصطفي الفقي

سوف تظل صورة الفلسطينى المهاجر الذى يحمل متاعه القليل وبقايا منزله المتهدم عالقة فى الأذهان على مر الأزمان! فهو ذلك الفلسطينى الذى عرف النكبة ثم عرف النكسة وذاق من الهوان مالم تعرفه كل الأوطان، إنه الفلسطينى أبو الشهداء وضحية العصر بكل ما فيه من قهر ومظالم وعنصرية وتعصب يتحرك من مكان إلى مكان هربًا من الموت وطلبًا للحياة، ولا يكاد يمكث فى العراء عند بقعة معينة إلا ليبرحها هربًا من الصواريخ والقنابل والراجمات فى عمليات متواصلة، وها نحن نرى اليوم أهل غزة مطاريد الأرض وحفار القبور فى لوعة حزينة قد لا نجد لها نظيرًا فى التاريخ كله، والشعب الفلسطينى فوق ذلك مطالب بأن يدفع أقساط الماضى وشيكات المستقبل من دماء أبنائه وحياة أجياله القادمة، وهو فى كل ذلك محاط بفزع أكبر مع أزيز الطائرات وصخب التفجيرات التى لا تبقى ولا تذر وتحيل الحياة كل يوم جحيمًا لا ينتهي! وهو ذاته الفلسطينى المطالب أيضًا بالتطبيع مع جلاده المتعايش مع جيرانه رغم عذابات ثلاثة أرباع قرن على الأقل من المعاناة المستمرة ونزيف الدماء وقطع الأشلاء والأيام المأساوية الحزينة، إننى أطالب هنا بمواقف مختلفة عما نحن فيه وفى مقدمتها ما يلى:

أولا: استخدام سلاح التطبيع مع أهم دولة إسلامية وأغناها خصوصًا، وأن الملك المؤسس عبدالعزيز الكبير كان من أسبق الحكام العرب فهمًا للخطر الصهيونى وإحساسًا به، ولاشك أن ثمن التطبيع السعودى مع دولة إسرائيل لا يساويه على الجانب الآخر إلا التسوية العادلة الشاملة للصراع برمته، مع قدرة المملكة وشقيقاتها فى الخليج على الإسهام فى إعمار المناطق المنكوبة وتحويل الخراب الذى لحق بالأراضى الفلسطينية فى غزة إلى ما يجب أن تكون عليه حاضنة للبشر لا طاردة له مستقبلة للحياة وليست مصافحة للموت.

ثانيًا: تتحمل دور الجوار المباشر خصوصًا مصر والأردن ولبنان وربما سوريا أيضًا ولو بعد حين مسئولية التواصل مع الدولة الفلسطينية الوليدة وتثبيت أركانها سياسيًا وثقافيًا، على أن يكون التعاون كاملا بين الدول المانحة اقتصاديًا فى الخليج والدول الداعمة سياسيًا وثقافيًا فى المشرق العربى، فالطريق طويل ورحلة المستقبل ليست سهلة، والشعب الفلسطينى شعب إرادة قوية وتصميم فريد من نوعه بهر العالم بصموده واكتسب احترام الدنيا بثباته ونضاله الأسطورى.

ثالثًا: إن على الشعب الفلسطينى نفسه مسئولية أكبر تتمثل فى ضرورة التماسك واحترام حق الاختلاف فى إطار الثوابت الوطنية والأطر المتفق عليها للدولة المنتظرة فى حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وأنا على يقين أن الشعب الفلسطينى المبدع سوف يفاجئ العالم دوليًا وإقليميًا بقدراتٍ هائلة على الإبحار فى عالم المستقبل والبناء والتنمية والتشييد والإعمار، بل ربما يقف منافسًا قويًا للدولة العبرية ذاتها، من هنا فإن حل الدولتين لا يزال شبحًا مخيفًا أمام دولة إسرائيل التى ينبغى أن تحوز التفوق حتى تضمن البقاء، وهنا أسجل بكل وضوح أننى أخشى من الغضب الكامن فى الأعماق الفلسطينية التى قد لا تصفح عن الماضى ولا تنسى الجراح والدموع والدماء والأحزان الطويلة لتطرح من جديد انفعالات غاضبة ومشاعر كامنة تطفو على السطح بين حين وآخر، فالطريق لن يكون سهلا ولكن مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، كما أن إرادة الشعوب أقوى من كل العقبات، والإنسان فى النهاية هو سيد قدره ومصيره وصانع مستقبله إذا صدقت النوايا وخلصت الضمائر، ورغم أنه لا ضمانة لسياسات إسرائيل فى المستقبل فإن الطريق الطويل لابد أن يبدأ من رحم المعاناة الأليمة والقهر الطويل.

رابعًا: إن المجتمع الدولى خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية وتوابعها فى الغرب الأوروبى مطالبون بدعمٍ كامل لمسيرة المستقبل، إذ أن واشنطن هى الشريك الأساس فى كل ما فعلته وتفعله إسرائيل بالدعم المتواصل سياسيًا واعتداء على الشرعية الدولية أو بالتسليح المباشر، بالإضافة إلى عقود طويلة من الانحياز الكامل لسياسات إسرائيل العنصرية والعدوانية والاستيطانية ضد الشعب الفلسطينى، وقد يصحو الضمير الأمريكى لكى يكتشف حجم المأساة التى يعيش فيها ذلك الشعب الفلسطينى على امتداد ثلاثة أرباع قرن أو أكثر.

خامسًا: إن على المجتمع الدولى كله شرقه وغربه مسئولية تنبع من منطق التضامن البشرى والتعاطف الأخلاقى مع الشعب الفلسطينى الذى عانى من سطوة الاحتلال بنوعية مختلفة عن كل المظاهر المعروفة للظاهرة الاستعمارية فى التاريخ الحديث، فالاحتلال الإسرائيلى هو نوع من الاستعمار العنصرى القائم على القهر والعدوان وهدم المنازل وقتل الأطفال وإعدام القيادات بدم بارد وتجاهل كل ردود الأفعال على امتداد عشرات السنين.

إننا نناشد كل أصحاب الضمائر الحية بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينى فى محنته، وأحمد الله أننى أنتمى إلى الوطن المصرى الذى دفع فى حروب خمس ضريبة الدم للشعب الفلسطينى الشقيق، وظل دائمًا مؤازرًا له مدافعًا عنه لا يحيد عن الثوابت ولا يغيب عن التضحيات ولا يتأخر عن نداء الأشقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير الفلسطينيون بين التطبيع والتهجير



GMT 13:25 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

الروح المتمردة

GMT 13:23 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

صلاح «ملك الحلاقة»!

GMT 08:14 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

الرحلةُ المقدسة.. عيدًا مصريًّا

GMT 08:12 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نجوى فؤاد وحديث الشيخ الشعراوى!!

GMT 08:09 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

العكس هو الصحيح

GMT 08:07 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

ليست «أوبر» وحدها

GMT 08:05 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نظريات ومراهم للتسلخات!

GMT 02:20 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

أول من استعاد الأرض

الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ مصر اليوم

GMT 14:31 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

عبدالعزيز مخيون يكشف عن مكسبه الحقيقي من الفن
  مصر اليوم - عبدالعزيز مخيون يكشف عن مكسبه الحقيقي من الفن

GMT 00:43 2017 الأحد ,08 كانون الثاني / يناير

انتصار السيسي تطمئن على صحة الفنانة نادية لطفي

GMT 12:37 2020 الخميس ,25 حزيران / يونيو

لاباديا يوضح تدريب هيرتا برلين كان تحديا كبيرا

GMT 08:12 2020 الأحد ,21 حزيران / يونيو

وفاة رئيس الاتحاد الأوروبي لألعاب القوى

GMT 21:23 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

طلب غير متوقع من أسرة قتيل فيلا نانسي عجرم

GMT 05:44 2020 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نانسي عجرم تعود إلى نشاطها الفني بعد مرورها بفترة عصبية

GMT 22:45 2019 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

وفاة المخرج الأردنى رفقى عساف عن عمر ناهز 41 عاما
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon