توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عبدالناصر واليمن.. مساجلات الستين سنة

  مصر اليوم -

عبدالناصر واليمن مساجلات الستين سنة

بقلم - عبد الله السناوي

اكتسبت الثورة اليمنية فى (26) سبتمبر (1962) قيمتها فى التاريخ من حجم الدور الذى لعبته فى نقل بلد بأسره من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة.

«لقد أغلقت اليمن الأبواب على نفسها ألف سنة فلم يختفِ منها الشعر، ولكن المشكلة الحقيقية هى متى يغزوها العلم؟!».
كانت تلك صورة بلد عربى معزول تماما عن العالم ــ كما سجلها «نجيب محفوظ» فى قصته القصيرة «ثلاثة أيام فى اليمن»، التى نشرت عام (١٩٦٩) من ضمن مجموعة «تحت المظلة».
«هل ثمة فرصة لأكتب كلمة سريعة؟
أخى العزيز..
كم وددت أن أودعك قبل الرحيل. أذكرك بالحب والإكبار وأنا على وشك العودة إلى أرض الوطن. ستعود إليه ذات يوم منتصرًا راضيًا بإذن الله. اهنأ الآن بأنك تحارب فى سبيل قضية عادلة، قضية التقدم للإنسان العربى. ومهما تكن العوائق ومهما تكن العواقب فإنك بذرت فى الأرض بذرة من طبيعتها النمو والازدهار».
كانت تلك رسالة الراوى ــ «محفوظ» نفسه ــ إلى جندى مصرى يحارب فى اليمن.
هناك عشرات الشهادات بأقلام كبار المثقفين اليمنيين عن مدى الصدمة، التى انتابتهم عند الخروج إلى العالم ومعاينة وسائل حياة عادية لم تكن تخطر لهم على بال كـ«المكواة» و«ماكينة الخياطة» وأبسط الأدوات الصحية.
القيمة السياسية لشهادة «محفوظ» أكبر من الأدبية، فهى ليست من أعماله التى تستوقف النقاد والقراء.
المثير أنه نشرها بعد أن وقعت الهزيمة العسكرية فى يونيو (1967) ونُسب إلى حرب اليمن ما نُسب.
لم يتردد أن ينشر نصه كما كتبه فى حينه، غير أنه عاد عام (١٩٨٢) عبر إحدى شخصيات رواية «الباقى من الزمن ساعة» للتعريض بحرب اليمن:
«أسمعت ما يُقال عن أغنية أم كلثوم أسيبك للزمن!
يقال إن الأصل أسيبك لليمن».
التناقض فادح بين النظرتين، الأولى ــ انطوت على تقدير بالغ للدور الذى لعبته مصر فى دعم الثورة اليمنية بالرجال والسلاح «من أجل قضية عادلة».. والثانية ــ ذهبت إلى العكس تماما حيث استخدم الحدث نفسه فى التعريض بثورة يوليو والشماتة فى هزيمة (1967).
بعد ستين سنة على الثورة اليمنية تحتاج مصر أن تنصف أدوارها وتضحياتها، وأن تنفض عن كاهلها ادعاءات وافتراءات حاولت بدأب أن تكرس فى الوجدان العام ثقافة الهزيمة، فكل قضايانا خاسرة وكل حروبنا هزائم.
من الناحية الاستراتيجية ساعد التدخل العسكرى فى اليمن على تحرير جنوبه من الاحتلال البريطانى والسيطرة على مضيق باب المندب، حتى بات البحر الأحمر عربيًا بالكامل.
أثناء حرب أكتوبر (١٩٧٣) أغلق المضيق فى وجه الملاحة الإسرائيلية.
كان ذلك إنجازا استراتيجيا هائلا.
نفس القوى التى حاربت مصر فى اليمن سعت ألا يكون لها أية أدوار مستقبلية فى استراتيجية البحر الأحمر تمكنها من التمركز والحركة والتصرف إذا ما تهدد أمنها القومى فى هذه البقعة الحيوية من العالم.
ومن الناحية العسكرية نصبت كمائن حتى تكون حرب اليمن مستنقعًا للقوات المصرية يصعب الخروج منه.
كانت التجربة صعبة بكل معنى عسكرى بالنظر إلى الطبيعة الجغرافية لليمن وحجم التدخلات المباشرة سعودية وأمريكية وإسرائيلية.
مالت حسابات «جمال عبدالناصر» عندما أطيح بالحكم الإمامى عام (١٩٦٢) إلى أنه لا يصح التردد فى الوقوف بجوار الثورة اليمنية، وإلا فإنه إخلال جسيم بالدور الذى تضطلع به الثورة المصرية فى عالمها العربى.
بالتوقيت جاء الحدث اليمنى الكبير بعد انفصال الوحدة المصرية ــ السورية وتراجع حركة القومية العربية.
كانت تلك فرصة استراتيجية على البحر الأحمر بالقرب من منافع النفط لرد الضربة بأقوى منها.
كان تقديره أن تدخل بعض قوات الصاعقة، وسرب واحد من الطيران يكفى.
وفق شهادة الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فإن الحرب اتسعت «لا لأن هذا الطرف العربى، أو ذاك تدخل فيها، وإنما اتسعت الحرب حينما تدخلت قوى السيطرة العالمية، وفى مقدمتها إدارة المخابرات المركزية الأمريكية، التى جندت للحرب آلافًا من الجنود المرتزقة الأجانب، إنجليزًا وألمانًا وفرنسيين وأمريكيين. وقصة هؤلاء ذائعة مشهورة، ولكن ذاكرتنا ضعيفة ننسى بسهولة ما هو حق لنا ونبتلع بسهولة دعاوى الآخرين علينا.. ننسى أنه فى وقت من الأوقات كان هناك أكثر من خمسة عشر ألفًا من الجنود المرتزقة الأجانب فى اليمن.. وننسى أن لندن ـ كما حدث فى حالة أنجولا ـ كانت مركز تجنيدهم وتسليحهم وإرسالهم إلى اليمن».
كان «أنور السادات» يتولى إدارة الجهد السياسى المصرى فى اليمن، لكنه عندما آلت إليه مقادير الرئاسة رعى حملات التشهير، كأنه لم يكن المسئول السياسى الأول عن الملف!
صبيحة (٥) يونيو (1967) تبدت مشكلة مستعصية مع بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية أن الجيش المصرى كان موزعًا على جبهتين بينهما آلاف الكيلو مترات.
كان استنزاف الجيش المصرى فى اليمن مقصودًا لأهداف استراتيجية تتعدى الصراع فى هذه البقعة الاستراتيجية إلى انتظار لحظة انتقام عبر الحدود الشرقية من الدور المصرى التحررى.
كان التخلص من «عبدالناصر» على رأس الأولويات فى إدارة الرئيس الأمريكى «ليندون جونسون» بعد أن تخلصت فى العام السابق (1966) من زعامات كبيرة للتحرر الوطنى فى العالم الثالث واحدا إثر الآخر مثل «سوكارنو» فى إندونيسيا و«كوامى نكروما» فى غانا.
كان الوصف الأمريكى لعملية (1967) بذاته دالا على أهدافه: «اصطياد الديك الرومى» الذى يتيه بقيادته لحركات التحرر المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل.
أسوأ معالجة ممكنة لحرب اليمن والدور المصرى فيها الانتقائية بالأهواء وتصفية الحسابات، فلا نعرف ما الذى جرى حقًا؟
المفارقة الكبرى فى ستينية الثورة اليمنية أن اليمن، المحطم والمنهك تحت وطأة احتراباته ومأسيه، يستشعر امتنانا لا حدود له للدور الذى لعبته مصر ستينيات القرن الماضى فيما هى لا تدرك ولا تعتز بإرثها التحررى كما يجب أن يكون.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبدالناصر واليمن مساجلات الستين سنة عبدالناصر واليمن مساجلات الستين سنة



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

عند الأفق المسدود فى غزة!

GMT 08:35 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

من رأس البر!

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 02:41 2016 الأحد ,15 أيار / مايو

الألوان في الديكور

GMT 15:53 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

إقبال على مشاهدة فيلم "Underwater" فى دور العرض المصرية

GMT 15:43 2019 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

مجلس المصري يغري لاعبيه لتحقيق الفوز على الأهلي

GMT 14:25 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تُوصي بالنوم للتخلّص مِن الدهون الزائدة

GMT 17:44 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

ريال مدريد يستغل الخلاف بين نجمي باريس سان جيرمان

GMT 03:56 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

عبدالله الشمسي يبتكر تطبيقًا طبيًا لمساعدة المرضى

GMT 14:00 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

أودي تطرح أفخم سياراتها بمظهر أنيق وعصري

GMT 17:49 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

مدير المنتخب الوطني إيهاب لهيطة يؤجل عودته من روسيا

GMT 19:33 2020 السبت ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل مغني الراب الأمريكي كينج فون في إطلاق نار بأتلانتا

GMT 23:01 2019 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

شبح إلغاء السوبر الأفريقي يطارد الزمالك والترجي

GMT 13:42 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

تبحث أمراً مالياً وتركز على بعض الاستثمارات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon