توقيت القاهرة المحلي 13:17:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مقامرة أردوغان الأخيرة!

  مصر اليوم -

مقامرة أردوغان الأخيرة

بقلم - عبد الله السناوي

فى توقيته وسياقه وأسبابه المباشرة بدا اعتقال رئيس بلدية إسطنبول «أكرم إمام أوغلو» بالطريقة التى جرت بها انقلابا منذرا بتداعياته على مستقبل الديمقراطية التركية وأدوارها فى محيطها وعالمها.

وفق استطلاعات الرأى العام فإنه المرشح الأوفر حظا فى الانتخابات الرئاسية المقبلة (2028)، التى يفترض بنصوص الدستور ألا يسمح للرئيس الحالى «رجب طيب أردوغان» بالترشح فيها.

تعديل الدستور سيناريو محتمل، والانتخابات المبكرة عام (2027) سيناريو محتمل آخر لتجاوز العائق الدستورى، الذى يسمح فى هذه الحالة بترشح الرئيس لدورة ثالثة بالتحايل.

سواء عدل الدستور، أو أجريت انتخابات مبكرة فإن «أكرم أوغلو» الأقرب إلى ربحها بغض النظر عمن يترشح أمامه باسم الحزب الحاكم، «أردوغان»، أو من يختاره.

كانت تلك سردية حزب الشعب الجمهورى، الذى أسسه «مصطفى كمال أتاتورك» بعد إعلان الجمهورية وإلغاء الخلافة العثمانية، فى مواجهة سردية أخرى غير متماسكة وغير مقنعة لحزب «التنمية والعدالة، الذى أسسه «أردوغان» متبنيا خطا محافظا حاول أن يزاوج فيه بين الإسلام السياسى والعلمانية الأتاتوركية.

وفق السردية الرسمية فإن القضية جنائية لا سياسية، التهم تنسب إليه فسادا فى إدارة بلدية إسطنبول والاتصال بحزب العمال الكردستانى المصنف إرهابيا فى الخطاب التركى.

يستلفت الانتباه أن ذلك الاتهام يناقض ما تجريه الرئاسة التركية من مفاوضات وحوارات شبه معلنة مع زعيمه «عبدالله أوجلان» بهدف تفكيك قوته العسكرية ودمج الأكراد فى البنية السياسية للبلد. تهم الفساد قد تصح أو لا تصح، هذه مسألة تحقيق وإسناد بالأدلة.


السؤال هنا: لماذا لا تفتح ملفات التجاوزات المالية فى البلديات كلها، الموالية والمعارضة على قدم المساواة، بدلا من أن تستخدم الاتهامات المرسلة لتصفية الخصومات السياسية؟

فوق ذلك كله ما مسوغ اقتحام أعداد كبيرة من قوات الأمن منزل «أكرم أوغلو» فى الصباح الباكر وتفتيش كل ركن فيه بحثا عن أى دليل يدينه. نحن نتحدث عن مئات الضباط والجنود.

بأثر الصورة السلبية للغاية التى لحقت بـ«أردوغان» نفى صلته بالطريقة التى اعتقل بها «أكرم أوغلو»، كما لو كان زعيما للمافيا التركية لا رئيسا لأكبر وأهم بلدية فى البلاد. لم يكن هناك تسويغ آخر لاتساع حجم الاعتقالات السياسية لتشمل نحو (100) آخرين من دائرة مقربيه. إنه تعمد الترويع والإهانة.

أدانت طريقة الاعتقال المنظمة الحقوقية الدولية «هيومان رايتس ووتش» ودوائر أوروبية سياسية واسعة ووصفتها بأنها حملة قمع. المعارضة استشعرت أنها مستهدفة فى أدوارها ومستقبلها، وأن القواعد الديمقراطية على وشك الانهيار.

نشبت احتجاجات شعبية فى شوارع إسطنبول رغم منع التظاهر لأربعة أيام لتحجيم رد الفعل.. وتهاوت الليرة التركية بمعدلات غير مسبوقة.

ساعدت الكلمات الأخيرة، التى سجلها رئيس بلدية إسطنبول قبل اعتقاله مباشرة، فى إلهام الاحتجاجات: «لن أتراجع... سأسلم نفسى للشعب، وأقف شامخا».

الأزمة فى أولها ويصعب توقع تداعياتها على مستقبل تركيا. إنها مقامرة سياسية بالمعنى الكامل. إذا أغلقت المنافذ السياسية تتقوض الشرعية ويصبح كل شىء محتملا وواردا.

لم يكن ما حدث مفاجئا تماما، فقد توالت الإشارات بالسنوات الأخيرة واحدة إثر أخرى أن تركيا توشك على دخول أزمة سياسية عميقة. فى الانتخابات البلدية الأخيرة، مارس (2024)، فارقت نتائجها أية توقعات وتكهنات مسبقة بأن يكتسحها «أردوغان»، كما العادة حيث لم يخسر أى استحقاق انتخابى منذ صعوده إلى السلطة عام (2003) رئيسا للوزراء ثم رئيسا للجمهورية بصلاحيات واسعة بعد تعديل الدستور.

لأول مرة حلّ العدالة والتنمية ثانيا بعد غريمه التاريخى الشعب الجمهورى. لم يقدر الحزب الحاكم على حصد أية بلدية كبرى، أو استعادة أية بلديات فاز بها حزب «الشعب الجمهورى» فى عام (2019).

كانت إعادة انتخاب «أكرم إمام أوغلو» فى إسطنبول لطمة هائلة لـ«أردوغان» ورسالة إلى المستقبل المنظور، إنه قد يكون الرئيس التركى فى أول انتخابات رئاسية مقبلة. «أردوغان» نفسه صعد إلى السلطة من موقعه رئيسا لبلدية إسطنبول. باعترافه هو نفسه فإن الهزيمة الانتخابية بالانتخابات البلدية «نقطة تحول».

كان ذلك تصويتا عقابيا على خلفية الأزمة الاقتصادية والحرب على غزة حيث استحكمت الأولى وتعرضت سياساته فى الثانية إلى انكشاف غير مسبوق.

لم ينتظر «أردوغان» أية مواجهة مع المنافس الشاب فى صناديق الاقتراع. استخدم سلطة الدولة فى إلغاء شهادته الجامعية بحجج إدارية واهية بعد (35) عاما من الحصول عليها فى جامعة إسطنبول حيث لا يكون ممكنا الترشح الرئاسى، على ما يقضى النص الدستورى.

إقصاء المرشحين الأقوياء المحتملين يصادر حق الاختيار الديمقراطى من المنبع. كان ذلك انقلابا على إرث «أردوغان» نفسه.

فى السنوات الأولى بدت إسطنبول مدينة عصرية منفتحة على عالمها ولديها آمال واسعة فى بناء قوة اقتصادية كبيرة وتحسين مستويات شعبها.

تزاوجت الأوضاع الداخلية الملائمة والأحوال الإقليمية المتغيرة بعد احتلال العراق (2003) فى بناء قوة دفع لدور تركى جديد يعتمد على قوتها الناعمة قبل أى شىء آخر، غير أن الرهانات على «العثمانية الجديدة» سرعان ما تقوضت ودخلت تركيا فى حزام من المشاكل والأزمات مع دول عربية عديدة ومؤثرة، كأنها انتقلت فجأة من شعار «صفر مشاكل» إلى أحوال «كل المشاكل».

فى لحظة صعود محتمل للدور التركى كقوة إقليمية مؤثرة فى حساباته وموازين القوى فيه إثر سقوط دمشق تبدت هشاشة أوضاعه الداخلية وأن مستقبل «أردوغان» نفسه بات فى مهب عواصف المتغيرات.

إنها مفارقة تراجيدية فى مقامرة «أردوغان» الأخيرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مقامرة أردوغان الأخيرة مقامرة أردوغان الأخيرة



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt