توقيت القاهرة المحلي 09:33:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ألغام الهدنة الثانية!

  مصر اليوم -

ألغام الهدنة الثانية

بقلم - عبد الله السناوي

يصعب الحديث عن هدنة ثانية فى الحرب على غزة، كأنها قد تعقد غدا.
ويصعب استبعاد الفكرة كلها، كأنها لن تعقد أبدا.
السيناريوهان ماثلان بذات القدر تحت الأفق السياسى المشتعل بالنيران على جميع جبهات الاشتباك داخل القطاع وخارجه.
هناك ما يستدعى التوصل إلى هدنة ثانية بأقرب وقت ممكن، يجرى خلالها تبادل أسرى ورهائن وإدخال مساعدات إنسانية أكبر.
وهناك بالوقت نفسه ما يدعو لتخفيض مستوى الرهانات فى التوصل إليها، حيث تتصادم الحسابات فى النظر إلى طبيعتها وحدودها وما بعدها.
وفق الرئيس الأمريكى «جو بايدن»، الذى يتبنى مشروع الهدنة الثانية، فإن المفاوضات حولها «جادة للغاية» قبل أن يعود بعد أيام ليقول: «إنها ليست قريبة.. ولكننا نضغط».
الضيق الدولى المتصاعد حاضر بقوة فى خلفية الاتصالات المعلنة وغير المعلنة فى مجلس الأمن وخارجه لوقف إطلاق النار، لكنه مقيد بحق النقض الأمريكى لأى مشروع قرار ينهى أبشع مأساة إنسانية فى العصور الحديثة.
إنه طلب وقف إطلاق نار مستدام، لا هدنة ثانية تعقبها عمليات عسكرية جديدة تسقط عشرات آلاف أخرى من الضحايا المدنيين، كأنها وقت مستقطع لمواصلة حرب الإبادة والتطهير العرقى فى غزة.
بأثر التظاهرات والاحتجاجات الواسعة فى الغرب، وداخل الولايات المتحدة نفسها، بدأ التحالف الغربى يتشقق من حول واشنطن الداعمة بصورة مطلقة لإسرائيل وعملياتها العسكرية حتى تحقق هدفيها الرئيسيين: اجتثاث «حماس» وإعادة الأسرى والرهائن بأقل كلفة ممكنة.
فيما هو لافت أن أكثر دولتين غربيتين تماهيا مع السياسة الأمريكية، بريطانيا وألمانيا، يدعوان الآن دون مواربة دعمهما لوقف نار مستدام فى غزة دون أن يكون عند كليهما أى تصور لليوم التالى باستثناء الكلام العام عن «حل الدولتين».
أمريكا تتبنى الكلام العام نفسه، لكنها تعمل لإطالة أمد الحرب.
فكرة «الهدنة الثانية» تدخل ضمن التصور الاستراتيجى الأمريكى لإدارة الحرب بصورة أكثر كفاءة مما أبدته إسرائيل فى حربها على غزة.
من ركائز ذلك التصور: إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من الأسرى والرهائن الإسرائيليين، ووضع جدول زمنى لإنهاء العمليات العسكرية، وتبنى «الضربات النوعية طويلة المدى» لمنع عودة «حماس» إلى السلطة فى غزة بعدما ثبت أن اجتثاثها شبه مستحيل.
يدخل من ضمن ذلك التصور: تخفيض وطأة المعاناة الإنسانية على سكان القطاع، التى استفزت قطاعات واسعة من الرأى العام الأمريكى، وخفضت من فرص «بايدن» فى حصد نتائج الانتخابات الرئاسية، التى اقتربت مواعيدها.
بقوة الحقائق فإن لواشنطن مصلحة رئيسية فى إتمام صفقة الهدنة الثانية لتخفيض مستوى الضغط الدولى عليها وإعادة ترتيب أوراقها وفق الحقائق المستجدة.
بأى نظر فى الحقائق السياسية والعسكرية المتداخلة فإن أى هدنة متوقعة سوف تكون جزئية ومحدودة.
إسرائيليا: وقف إطلاق النار مستبعد بصورة كلية، إذ قد ينظر إليه على أنه نوع من الاعتراف بالهزيمة طالما لم تكن هناك علامة نصر واحدة.
لذلك تداعيات وحسابات جديدة تضرب أولا ــ فى تصورها لأمنها وحدود قوتها وقدرتها المتخيلة على فرض هيبة جيشها بالمنطقة، كما فرص تمدد نفوذها الإقليمى.. وتضرب ثانيا ــ فى بنيتها السياسية التى يهيمن عليها اليمين المتطرف وخسارة حكومة «بنيامين نتانياهو» أية فرصة للبقاء فى الحكم.
كما قد يعنى، وهذا ما لا تريده واشنطن أيضا، تعاظم دور «حماس» فى الحياة السياسية الفلسطينية، على ما توقعت محطة الـ«سى. إن. إن» الأمريكية الإخبارية.
تكاد تستحيل أية موافقة إسرائيلية على هدنة ثانية تتجاوز استعادة أسراها ورهائنها المحتجزين فى غزة.
«التفاوض تحت النيران».
تلك استراتيجيتها للتوصل إلى هدنة ثانية، حتى لا يكون أمام «حماس» فرصا ممكنة للتشدد فى طلباتها وشروطها.
تحت ضغوط الداخل الإسرائيلى المتصاعدة يصعب على «نتنياهو» تجاهل الملف المزعج.
يطلب صفقة تبادل كاملة للأسرى والرهائن حتى يتخفف من وطأة ذلك الملف على التماسك الداخلى حيث زادت ضغوط التظاهر والاحتجاج من أسرهم، الذين أعربوا بمواجهته على عدم الثقة فى تعهداته.
«إنها حرب نتانياهو».. «إنه لا يريد عودة أبنائنا».
هكذا ارتفعت الأصوات الاحتجاجية داخل إسرائيل، وعلى صفحات جرائدها.
وقد كان مقتل ثلاثة من جنودها بنيران صديقة تعبيرا عن فشل لا يمكن إخفاؤه وداعيا بالوقت نفسه إلى طلب وقف إطلاق النار فورا وعقد صفقة شاملة لتبادل الأسرى وفق مبدأ «الكل مقابل الكل».
ثم أكد مقتل ثلاثة جنود آخرين بنيران الجيش الإسرائيلى المخاوف والمطالب نفسها.
«أمام حماس أحد خيارين: الاستسلام أو الموت».
كان ذلك التصريح الذى أطلقه «نتنياهو» تعبيرا عن أزمته المستحكمة، فهو لا يتصور أن تنتهى الحرب دون علامة نصر، يريد تمديدها لشهور أخرى، لكن لا أحد فى العالم مستعد أن يضفى عليها أية مشروعية منتحلة بادعاء إنها دفاع عن النفس!
هو فى حاجة ماسة إلى الدعم الأمريكى المطلق، وإلا وجد نفسه وحيدا ومعزولا أمام العالم إذا ما صدر قرار أممى بوقف إطلاق النار.
أقل الأضرار بالنسبة له أن يمضى إلى هدنة ثانية محدودة بأقل خسائر ممكنة.
ملف الأسرى ليس أولوية لديه، لكنه مجبر عليه.
بالمقابل المقاومة الفلسطينية مستعدة لـ«هدنة ثانية مشروطة» تسمح بتخفيف المعاناة الإنسانية غير المحتملة عن أهالى غزة بإدخال معونات ومساعدات مستدامة يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة، وعودة النازحين بترهيب السلاح إلى مناطقهم وديارهم فى الشمال.
فلسطينيا: ليست هناك صفقة كاملة لتبادل الأسرى قبل وقف إطلاق نار مستدام.
حدود الصفقة واشتراطاتها جوهر التفاوض.
إذا ما خسرت المقاومة تلك الورقة الرئيسية بلا ثمن سياسى حقيقى أوسع من الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية فإن ذلك قد يفضى إلى توسع الحرب لا إيقافها، وتغول آلة القتل لا منعها.
إنه الموقف الحاكم، الذى تتمترس خلفه المقاومة الفلسطينية، التى تخشى من خسارة «ورقة الأسرى والرهائن» قبل وقف إطلاق النار فيستباح القطاع تقتيلا وترويعا كما لم يحدث حتى الآن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألغام الهدنة الثانية ألغام الهدنة الثانية



GMT 05:34 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 01:01 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ مصر اليوم

GMT 12:05 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

عدسات لاصقة "ذكية" لكشف أمراض العيون
  مصر اليوم - عدسات لاصقة  ذكية  لكشف أمراض العيون

GMT 07:03 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

أنت فعلاً محظوظ هذا الشهر

GMT 06:54 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تكون الظروف استثنائية في الأسابيع الأولى

GMT 16:10 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

ديربي مانشستر في كأس الرابطة مُهدد بالتأجيل بسبب "كورونا"

GMT 11:09 2020 الثلاثاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

5 تغييرات بسيطة في نمط الحياة تساعدك على علاج الحموضة

GMT 12:05 2020 الأربعاء ,07 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يتراجع بعد بيانات مخزونات الخام الأميركية

GMT 11:43 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

علاء مبارك يعتذر عن تقديم العزاء للراحل صباح الأحمد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon