توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عبدالناصر.. وحديث الرصاصة الأولى

  مصر اليوم -

عبدالناصر وحديث الرصاصة الأولى

بقلم: عبد الله السناوي

 لمرتين تاريخيتين تداخلت القاهرة بالإسناد والدعم والتخطيط المشترك فى إطلاق ثورتين مسلحتين، الجزائرية والفلسطينية.

الأولى، حققت هدفها فى الاستقلال.. والثانية، وقعت فى خديعة «أوسلو» قبل أن يواصل شعبها دفع فواتير الدم والتضحيات لنيل حقه فى تقرير المصير.

حديث الرصاصة الأولى يلامس الحقائق الأساسية عند منابعها فى لحظة حاسمة من الحرب على غزة.

إنه حديث المصير العربى الواحد، الذى لا ندركه ولا نعرف مكامن القوة فيه.

لم تكتسب مصر أدوارها وقيادتها للعالم العربى ولا تأكدت مكانتها على مسارح العالم الثالث من فراغ سياسات، أو بأوهام زعامة.

لكل دور أثمانه وتكاليفه.

فى يناير (1965) بادرت حركة «فتح» بإطلاق الرصاصة الأولى وحاولت أن تطرح القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطنى لا قضية لاجئين يحتاجون إعانات وإغاثات.

بعد هزيمة (1967) تبدت ضرورات إحداث تحول جوهرى فى الفكر السياسى الفلسطينى.

لم يكن ذلك ممكنا دون غطاء عربى قوى ومؤثر.

فى أكتوبر (1967) حضر إلى القاهرة ثلاثة من مؤسسى «فتح» «ياسر عرفات» و«صلاح خلف» و«فاروق قدومى» لمد الجسور معها.

حاوروا شخصيات مقربة من الرئيس «جمال عبدالناصر» أبرزهم الوزير «كمال الدين رفعت» والأستاذ «محمد حسنين هيكل».

بصورة مفاجئة أبلغهم «هيكل» إنه سوف يصحبهم بسيارته الخاصة للقاء شخصية مهمة.

كانت المفاجأة أنه «عبدالناصر» نفسه، الذى لخص موقفه فى جملة واضحة ومحددة: «أريد أن أسمع طلقة واحدة تدوى كل يوم فى الأرض المحتلة».

فى تلك الأيام بأجوائها الملبدة، تبدت حسابات جديدة على الساحة الفلسطينية.

وفرت القاهرة غطاء عربيا ودوليا كاملا لمنظمات العمل المسلح، قدمت «عرفات» إلى قيادة الاتحاد السوفيتى السابق، وتابعت نقل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من الخطباء إلى الفدائيين.

بقدر مماثل كان دور «عبدالناصر» جوهريا فى حرب تحرير الجزائر.

فى الثانى من يوليو عام (1954)، قبل سبعين سنة بالضبط، أطل «أحمد بن بيللا، أبرز قادة الثورة التى توشك أن تعلن، لأول مرة عبر أثير «صوت العرب».

بصوته المؤثر قدمه «أحمد سعيد» مؤسس «صوت العرب» بالكلمات التالية:

«أخ جزائرى فى حديث من العقل والقلب إلى الضمير والوجدان».

لم يكن «بن بيللا» يتقن العربية فى ذلك الوقت بأثر سياسات «الفرنسة» التى عانتها الجزائر.

كتب النص بالفرنسية.

شارك فى ترجمته إلى العربية أربعة رجال: «محمد خيضر» و«حسين آية أحمد» و«فتحى الديب» و«أحمد سعيد».

أعيدت كتابته مرة أخرى بحروف لاتينية كبيرة حتى يمكنه قراءتها للجمهور العرب».

«OHADISACOM-MEN-SAWT-ALARAB-MEN-ALKAHIRA-MADINATO-ALAZHAR-ALSHARIF»

«أحدثكم من صوت العرب من القاهرة مدينة الأزهر الشريف».

على ذلك المنوال كتب بقية الخطاب «التاريخى» بكل ما يحمله الوصف من معنى وقيمة، كلحظة إطلاق للثورة الجزائرية.

كانت نهاية الخطاب مؤثرة وملهمة: «كان الفرنسيون يقولون فى أعماقهم دون صوت أيام بطش الاحتلال النازى فرنسا للفرنسيين.. فليردد كل الجزائريين، ولو بصوت أخرس صباح مساء، كلما رأوا فرنسيا جنديا أو مستوطنا الجزائر للجزائريين».

كرر العبارة نفسها باللغة الفرنسية.

كان قاسيا على مشاعر «بن بيللا» "أنه لا يستطيع أن يتحدث بلغة بلاده وقرآن دينه.

قطع التسجيل أكثر من مرة لاعنا «الفرنسة»، التى فرضتها سلطات الاحتلال على بلده ومواطنيه.

هكذا وصف «أحمد سعيد» مشاعر الرجل، الذى ربطته به صداقة عميقة إلى آخر العمر، فى مذكرات خطية لم يتسن لها أن تنشر حتى الآن.

أثناء سنوات سجن «بن بيللا» فى باريس بعد اختطاف طائرة تقله مع أربع قيادات تاريخية أخرى علم نفسه العربية وأتقنها.

فى يوليو (١٩٦٢) ألقى خطابا آخر عبر «صوت العرب» من الجزائر المستقلة، لكن هذه المرة بلغة عربية متمكنة.

فيما بعد روى «بن بيللا» فى حوار صحفى أن أكثر ما أثقل مشاعره أن مترجما حضر أول اجتماع مع «أخى جمال»، لكن «القلوب تكلمت».

فى حوارات القاهرة أبلغ «بن بيللا» السلطات المصرية أن الرصاصة الأولى سوف تطلق فى الساعة الواحدة من صباح (٣٠) أكتوبر (١٩٥٤).

كانت توجيهات «عبدالناصر» إلى «فتحى الديب»، الذى يتولى من موقعه متابعة الملف الجزائرى بأدق تفاصيله: «عندما يثبت تنظيم الكفاح المسلح ومن يومه الأول قدرته على العمل الثورى الشامل فإن مصر سوف تلقى بثقلها كاملا عارفة بمسئوليتها ومتقبلة لتضحياتها».

هكذا بالحرف.. لكنه بدا متحفظا على الحماس الزائد، الذى خطط لنحو ثمانين عملية فى اليوم الأول: «يكفينى ١٥ أو ١٦ عملية بامتداد الجزائر وأن تكون ذات دوى فى العاصمة حتى تلفت أسماع العالم».

لأسباب ميدانية تأجلت العمليات المسلحة، التى خطط لها أن تشمل أنحاء واسعة من الجزائر، إلى الأول من نوفمبر.

فى ذلك اليوم من عام (١٩٥٤) بدأت تتوالى الأخبار من وكالة الأنباء الفرنسية عن «محاولات تخريب، تقدر خسائرها بآلاف الفرنكات».

«اندلعت الشرارة الأولى للكفاح الجزائرى، الذى اعتقد الجميع أنه أمر مستحيل، ليستمر أكثر من سبع سنوات، ناضل خلالها الجزائريون بقوة وجدية ورجولة أكسبتهم احترام الرأى العام العربى والدولى على السواء».

عندما علم «عبدالناصر» أن دوى الانفجارات أرعب قوات الاحتلال الفرنسى تأكد أن الجزائر قد استعادت استقلالها وأكدت هويتها العربية، وأن الباقى تفاصيل.

كان التفكير الاستراتيجى المصرى يربط ما بين تطلعات المصريين للاستقلال الوطنى فى عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتطلعات العرب للهدف ذاته.

إنها وحدة المصير العربى.

هذه الفكرة ــ بالذات ــ كانت أساس الدور الإقليمى المصرى خمسينيات وستينيات القرن الماضى.

فى معركة الجزائر تأكد الدور المصرى فى عالمه العربى بلا مَن أو ادعاء.

القاهرة تابعت أدوارها من الرصاصة الأولى فى نوفمبر (١٩٥٤) حتى استقلت الجزائر فى يوليو (١٩٦٢) حاضرة فى قلب التخطيط السياسى والإعلامى والعسكرى شريكا كاملا فى المعركة.

لا تكتسب الأدوار بالادعاء.

هذا هو درس «عبدالناصر».

ولا تكتسب الحقوق بالمجان ولا يحدث استقلالا دون أن يدفع ثمنه غاليا.

هذا هو درس الثورة الجزائرية، الذى تمضى المقاومة الفلسطينية على طريقه اليوم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عبدالناصر وحديث الرصاصة الأولى عبدالناصر وحديث الرصاصة الأولى



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt