توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الست ومدحت العدل القابض على جمر الفن

  مصر اليوم -

الست ومدحت العدل القابض على جمر الفن

بقلم:خالد منتصر

أن تتصدى لإنتاج وتأليف مسرحية عن «أم كلثوم» الآن، هى مغامرة فى المجهول وعملية انتحارية فى قبيلة أهلها صم بكم يرقدون فى كهوفهم الحجرية، قبض على الجمر فى زمن الثلج والصقيع والعبث والاستسهال والبلادة، وأنا أخطو إلى المسرح لمشاهدة مسرحية «الست» كانت تدور فى ذهنى عدة أسئلة شائكة، هل سيستطيع مدحت العدل منتجًا ومؤلفًا التغلب على تلك الصعوبات، وتجاوز تلك العقبات، والخروج بعرض يتحدث عن مطربة رحلت منذ نصف قرن فى عصر الإنستجرام والشات جى بى تى وجيل زد؟!، صعوبة تقديم الجديد بعد مسلسل ناجح عنها تستطيع قماشته الدرامية استيعاب تفاصيل لا تحتملها مسرحية الساعتين، صعوبة إبهار جيل إيقاع حياته لاهث ومن الصعب إبهاره فالمعجزات صار يتعامل معها كالفاست فود، لكن مدحت العدل هو وفريقه نجحوا وبامتياز فى تقديم عرض مسرحى وشو موسيقى مبهر بكل معنى الكلمة وبدون محاولات لاستعراض العضلات، عرض بسيط بدون سطحية، وعميق بدون تقعر، والمهم أنه ينتصر للفن بشكل عام وليس لأم كلثوم بشكل خاص، قدموا لنا تشريحًا اجتماعيًا وفنيًا لماضٍ وحاضر، وليس مجرد نوستالجيا، مدحت العدل بحسه الاجتماعى والسياسى قبل الفنى أحس بهجمة الضباع على الفن، فكانت أغنية النهاية مبهجة تنتصر للأغنية فى إيقاع راقص، ظل الجميع يرددها بعد انتهاء المسرحية كشريحة مزروعة فى الذاكرة للأبد، وقرص منشط لجهاز المناعة،

ودرع حامية من خفافيش الظلام كارهى الفن والحياة، لم يغلق الستار على بكائيات موت ولطم رحيل، ولكنه أغلق الستار على انحياز لسحر الفن، وهذه فلسفة متأمل وحكمة مصرى محب معجون بالشجن قبل أن يكون كاتب أغنية أو مؤلف دراما، بداية وبصفتى حضرت عروض «ميوزيكال» فى أمريكا وأوروبا، أستطيع أن أقول وبدون مبالغة إن عرض «الست» أو دايبين فى صوت الست، لا يقل عن أى عرض من تلك العروض، وهذه ميزة المنتج الفنان، يسأل نفسه أولًا، ماذا يحتاج العرض كى يتوهج فنيًا، وليس ماذا نحتاج من العرض لكى نوفر ونكسب ماديًا؟ سخاء فى الصرف على الملابس وتصميم الاستعراضات والهولوجرام والديكورات والإضاءة والموسيقى، منحت الثراء لا البهرجة، الإضاءة لم تكن مجرد إنارة لكن لها توظيف درامى، الديكور المتحرك وترجمته للمشهد فنيًا، كان على أعلى مستوى، فمثلًا سقوط منيرة المهدية من خلال فتحة المسرح إلى القاع فى تعبير موجز وموحٍ وذكى، توزيع أثاث شقة أم كلثوم فى هذه الرحابة يمنحك الإحساس الدائم بالوحدة والعزلة والبرد برغم كل الضجيج والزحام من حولها، ديكور رامى الذى يحاصره فى زاوية ضيقة هى زاوية حادة لا تنفرج إلا للست التى يمنحها كل حياته، وهكذا دائمًا الديكور يترجم لك فوريًا ولا شعوريًا المشاعر، الجمل الغنائية فى الحوار ما بين رامى وأم كلثوم وما بينه وبين زوجته، وما بين ثومة وسيدة... إلخ، هى ليست جملًا ملحنة بإيقاع فحسب، بل هى فى مكانها بالضبط وموزونة بميزان الذهب وغير مقحمة وشاعرية فى نفس الوقت، لكن يظل السؤال: لماذا نجح مدحت العدل فى العبور بتلك المسرحية من فخ المقارنة؟ الإجابة ببساطة لأنه كان مختلفًا، ولأنه تناول أم كلثوم الإنسانة، ولأنه تعامل مع أم كلثوم كرحلة فلاحة مصرية عنيدة إلى النجومية، وليس مجرد رحلة صوت عبقرى، فهى إنسانة عبقرية فطرية قبل أن تكون صوتًا ذهبيًا، ركز العدل على ذكائها وخفة دمها وسرعة بديهتها، وهذه كلها عناصر مهمة فى سبيكة النجاح، قدمها لنا كإنسانة أرضية لا كملاك مجنح سماوى، ليست إنسانة من فولاذ، قدم لنا الغيرة من عبد الوهاب وليلى مراد وأسمهان، قدم لنا أم كلثوم الضعيفة أمام الوحدة وأمام المرض، قدم لنا فشل أم كلثوم فى فيلم «عايدة» وكيف نهضت بعد هذا السقوط، كان اختيار أبطال العرض من خارج تصنيف النجوم الروتينى، قمة الذكاء والحصافة، فالعرض هو النجم، ورحلة أم كلثوم هى مصدر النجومية والاشعاع، أدخل العرض كمشاهد من أجل أم كلثوم، وليس من أجل النجمة فلانة أو علانة التى تمثل وتجسد أم كلثوم، المدهش أنك ستكتشف فى هذا العرض البديع أن مصر ولادة، فكل الأصوات فى المسرحية تغنى، بل تطرب وتسلطن، بداية من الأب صاحب التواشيح، وحتى سيدة، مرورًا بمنيرة المهدية وأحمد رامى وعبد الوهاب وبليغ والسنباطى.. إلخ، هناك خلف نجاح هذا العرض مخرج شاب مبدع هو أحمد فؤاد، لم يفلت منه إيقاع المسرحية لثانية، وعبر عن حالة الصراع الداخلى لثومة بكل أدوات التعبير المسرحى المتاحة، هذا العرض سيصبح علامة فى تاريخ المسرح الموسيقى المصرى والعربى، وسيظل مدحت العدل بمسرحيات كوكو شانيل وتشارلى والست، رائدًا لا يستطيع مؤرخ تجاهل إسهامه، وبصمة كالوشم لا يمكن أن تُمحى، ورحلة إبداع كنا فيها المسافرين، وكان هو الملاح والربان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الست ومدحت العدل القابض على جمر الفن الست ومدحت العدل القابض على جمر الفن



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt