توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نموذج للحضارة ولا بديل عنه!

  مصر اليوم -

نموذج للحضارة ولا بديل عنه

بقلم: رضوان السيد

كان الاحتفال بافتتاح المتحف المصري الكبير بالغ الروعة والبهاء، خصوصاً مع عشرات الوفود التي حضرت من الغرب كله لتستمتع بالموسيقى الغربية والرقص الغربي والمشهد الهائل لمباني المتحف المثلث، والدرج الهائل بالآثار والتحف على جانبيه، ويقف في وسط المشهد، وطليعته تمثال رمسيس الثاني الضخم ومن بعده تحف تشييع وقبر توت عنخ آمون الخمسة آلاف. شعار المتحف والحفل في كلام الرئيس السيسي الحضارة والسلام، وأنه لا حضارة من دون سلام. الدولة المصرية العريقة التي صنعت السلام هي التي صنعت هذه الحضارة التي يستمتع بها «العالم» الآن.

في مشهد الاحتفال الضخم تذكرت فوراً احتفال الخديو إسماعيل بافتتاح قناة السويس. كان مشهداً أوروبياً كبيراً، وعزفت فيه أوبرا عايدة. هو النموذج الحضاري نفسه الذي عُرض في افتتاح متحف، لكنه أكثر روعة وتنوعاً، وإن لم تكن فيه أوجيني ملكة فرنسا وزوجة نابليون الثالث!

في احتفال الخديو إسماعيل، ورغم الفنون الغربية، كانت لا تزال هناك آثار ومعالم من روح الشرق، بحسب التخيل الغربي. أما هذه المرة فالغربان (الكلاسيكي والحديث) كانا حاضرين حتى في الملابس الفرعونية.

الكلاسيكيات الجديدة الممثَّلة بالمتاحف الضخمة والفرق الأوبرالية منذ القرن السابع عشر كانت حاضرة لتمثّل حضارة السلام، حسبما اختار لها المصريون العنوان والنموذج بالخلفية الأوروبية الحضارية منذ القرنين السابع عشر والثامن عشر. الأوروبيون مغرمون بالحضارتين المصرية والبابلية، وأكثر بعثات الآثار منهم قبل أن ينضمَّ إليهم الأميركيون واليابانيون. ولذلك جاء الاحتفال المتحفي ونموذجه احتفالات الأوروبيين والأميركيين واليابانيين في المناسبات المشابهة.

هي تقاليد عصر النهضة الأوروبية أو التي تطورت فيها وقد صارت نموذجاً لكلّ العالم. وقد تلاءم معها اليابانيون والهنود والكوريون، ويوشك أن يدخلها أو يتلاءم معها الصينيون. وقد عرض المصريون مشهداً يدلُّ على الإتقان واللمعان. إنما الفرق أنّ ثقافة الحضارة الجديدة عند هؤلاء جميعاً من دون شرق وغرب وآسيوي وأوروبي تُظهر احتضاناً شبه كامل، بينما لا تزال في ديارنا تشهد تمرداتٍ وحروباً كانت وطنية وسياسية واستراتيجية، لكنها صارت ثقافية وحضارية، كما توقع هنتنغتون في صدام الحضارات (1993 - 1996).

قبل قرنٍ ونصف شبَّه خير الدين التونسي «المدينة الأوروبايوية»، كما سماها بالسيل الذي لا يمكن دفعه، بل لا بد من الخوض فيه حتى لا نبقى على الأرض الجرداء.

الحروب حروب حداثة واستعمار، ودخلت عليها تجاذبات الهوية والثقافة التي تختزن عنفاً أيضاً. فلماذا وبعد مائة وخمسين عاماً من الاقتناع والتقليد لا يزال بعض شبابنا يشعرون بالغربة، مع أن الجانب الذي يجذبنا إليه الآن هو جانب الموسيقى والمتاحف والفنون والآثار وسائر مجالات جماليات الحياة؟! عندما كان جوزف ناي صاحب مصطلح «القوة الناعمة» يحاول إيضاح جاذبية أميركا فيما وراء الحرب وقوة الجيش، كان «الواقعيون» يهجمون عليه باعتباره واهماً(!). المصريون يقولون إن المتحف سيجتذب زيادة خمسة ملايين سائح، معظمهم من الغرب الأوروبي والأميركي ومن اليابان المستغربة(!). والاجتذاب إلى سحر مصر القديمة وليس مصر الجديدة. فماذا هو المستنكر في ذلك ومتاحف نيويورك وباريس واليونان وإيطاليا تجتذب مئات الملايين؟!

لقد سبق أن ذكّرتُ بكتاب طه حسين عن مستقبل الثقافة في مصر، التي يريد عميد الأدب العربي دفعها قديماً باتجاه اليونان وحديثاً باتجاه أوروبا، بيد أن قضايا الهوية والانتماء إذا داخلت الثقافة، بقصد التغيير فيها، فإنها تفضي إلى انقساماتٍ باتجاهاتٍ متضاربة تظلم كل الأطراف وتذكِّر بقول القرآن: « وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ».

إنّ قوة الثقافة الجديدة أو الأوروبايوية المتفوقة تظهر في أن لا بديل عنها. فأين هي الثقافة الأخرى أو حتى البديل الآخر الذي يعرض نموذجاً أو إرشاداً أكثر سلامة وسلاماً؟ وما عادت المشكلة في التقليد المفارق أو الطهورية التاريخية؛ بل أيضاً في الثقافة الحاملة على الكولونيالية القديمة والمستمرة فكراً وعملاً. والنزعة الكولونيالية هذه تلعن الغرب التنويري واليميني على حدٍ سواء، بحجة التآمر على العالم، خصوصاً على الإسلام(!). وإنه ليبلغ من سوء حظنا أننا لسنا بحاجة إلى تآمر الآخرين، ما دام «دود الخل منه وفيه»، كما يُقال.

مصر الحديثة تستفيد من مصر القديمة في المعنويات وفي المصالح. لكنّ هذا الأمر لا تستفيد منه مصر وحسب؛ بل هو الذي يجلب عشرات الملايين إلى أوروبا أيضاً، ولو تمتعت أفريقيا ببعض الاستقرار لكان للتراث الأفريقي نصيب من الاهتمام. وإن ذكر كثيرون أنّ للسياحة الكثيفة سلبياتها أيضاً!

هي رؤية للعالم ونظامٌ للعيش ما عاد يمكن تجاهله أو التمرد عليه. قد تكون هناك وجوهٌ للغلوّ، لكنها وجوهٌ وحسب، وقد ثبت «الموديل» والحكم في تجربة النجاح.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نموذج للحضارة ولا بديل عنه نموذج للحضارة ولا بديل عنه



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt