توقيت القاهرة المحلي 13:30:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوكرانيا: المرحلة التالية من الحرب

  مصر اليوم -

أوكرانيا المرحلة التالية من الحرب

بقلم : أمير طاهري

يعي طلاب التاريخ أن بدء الحرب دائماً ما يكون أمراً سهلاً؛ وأن الصعوبة الحقيقية تكمن في وضع نهاية لها. والحرب المستعرة اليوم في أوكرانيا ليست استثناءً.

المشكلة أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كان يظن أنَّه يعرف كيف يُنهيها. وبعد أكثر من ثلاث سنوات، أصبح واضحاً أنَّه لا يملك أدنى فكرة عن كيفية إنهائها، مثل غيره. وهذا «الغير» يتضمن كذلك الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ساوره اعتقاد صادق بأنه يستطيع إنهاء الحرب عبر بعض المكالمات الهاتفية مع الـ«فلاديميرين»، (يشترك الرئيسان الروسي والأوكراني في الاسم، ويختلفان في طريقة كتابته).

ومع انشغال الرأي العام العالمي بما قد يحدث لاحقاً أكثر من اهتمامه بما يحدث فعلياً، تمر القصة الحقيقية -ويقصَد بها هنا أحدث تطورات الحرب- من دون أن يلاحظها الكثيرون.

لقد بدأت هذه الحرب بطريقة كلاسيكية لطالما عاينَّاها في كتب التاريخ، مع تقدم الدبابات الروسية والعربات المدرعة إلى داخل الأراضي الأوكرانية، كما لو كانت في عرض عسكري. وافترض كثيرون أن القوات الروسية الضخمة سرعان ما ستبلغ العاصمة الأوكرانية كييف، وتتلقى استسلاماً غير مشروط من القادة الأوكرانيين، وتُشكِّل حكومة جديدة، وتُعيد إحياء الأخوّة السلافية... إلا أن أياً من هذا لم يحدث.

في الواقع، تحوّل النزاع إلى حرب بالوكالة بين أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو) وروسيا، المدعومة على استحياء من نصف دزينة من الدول، بينها بيلاروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية.

وأدى احتمال عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وتراجع الدعم الشعبي لكييف داخل أوروبا، إلى بدء الحديث عن تسوية تفاوضية للحرب، قد تؤدي إلى خسارة أوكرانيا جزءاً آخر من أراضيها، إلى جانب شبه جزيرة القرم.

ومع ذلك، ثمة قصة مغايرة تماماً كان يجري نسجها في الخفاء؛ فبدءاً من أوائل عام 2023، قرر القادة الأوكرانيون أن أفضل فرصة أمامهم للخروج من محنتهم الوطنية هي تحويل الصراع إلى حرب استنزاف. وبالفعل، نجحوا في ذلك، من خلال إبطاء تقدم الآلة العسكرية الروسية. وكانوا يدركون أن الغزاة لا يملكون نفس مستوى الصبر الذي يتمتع به المدافعون، وبالتالي من المحتمل ألا يستطيعوا الاستمرار في حرب لا نهاية واضحة لها.

ورغم المعاناة الكبيرة التي أنزلتها الحرب بالأوكرانيين، فقد أحرزوا انتصارات كبيرة عام 2024، لم تحظَ بالاهتمام العام المستحق. وتمكنت أوكرانيا، بمساعدة جزئية من البحرية البريطانية، من احتواء البحرية الروسية داخل بحر آزوف -منطقة ثانوية في البحر الأسود- عبر إغراق عدد من سفن بوتين، بما في ذلك السفينة الرئيسة.

أما التحوّل التالي في الاستراتيجية الأوكرانية، فجاء عندما وافق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على خطة لتطوير قدرة حربية غير متماثلة، تجمع بين تكتيكات حرب العصابات والتكنولوجيا العسكرية.

لم تحقق العملية المفاجئة في مدينة كورسك كل ما وعدت به، من حيث فرض السيطرة على الأرض وتطهيرها. ومع ذلك، حملت في طياتها رسالة مفادها أن أجزاء من الأراضي الروسية، على اتساعها الشاسع، لم تَعُدْ ملاذاً آمناً.

الاثنين الماضي، ظهرت الرسالة ذاتها، لكن بقوة أكبر، عندما تسببت طائرات مسيّرة أوكرانية في خروج مطارات موسكو الأربعة من الخدمة، لأكثر من 14 ساعة. وحمل الهجوم السابق على مجمع تصنيع الأسلحة الضخم في بريانسك، رسالة مشابهة.

في الوقت نفسه، حاولت أوكرانيا التعويض عن نقص الأفراد -الذي تعاني منه كما تعاني روسيا- لا من خلال استقدام مرتزقة من كوريا الشمالية أو أفريقيا، بل من خلال تطوير صناعة محلية ضخمة لإنتاج الطائرات المسيّرة.

وخلال العام الماضي أو نحو ذلك، كانت أوكرانيا تنتج أكثر من 200 ألف طائرة مسيّرة شهرياً، وهي على طريق الوصول إلى هدف 2.5 مليون طائرة في السنة، قبل نهاية الصيف. في المقابل، لا تُنتج إيران -المورِّد الرئيس لروسيا- أكثر من 400 ألف وحدة في السنة.

ويساعد مئات من الخبراء التقنيين من أوروبا وكندا وأميركا، في تحويل أوكرانيا إلى مختبر ضخم، لتطوير معدات عسكرية عالية التقنية، تتضمن المركبات غير المأهولة لنقل الطواقم الطبية والمصابين من ساحات المعارك. ويشارك عدد متزايد من الشركات الناشئة في دعم أوكرانيا، لاستخدام تكنولوجيا الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، في تطوير التكتيكات، واقتراح توليفات مختلفة من الأسلحة والأساليب، وتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة. وبتصميمها على أن تصبح في طليعة البحث والتطوير العسكري التكنولوجي، خصصت أوكرانيا ثلث ميزانيتها الدفاعية لهذا البرنامج.

ويُكمل التقدم التكنولوجي، التدريب الكلاسيكي على حرب العصابات من الجهة الأخرى. ولا يزال الأوكرانيون يتذكرون جيداً كيف أن آلة الحرب النازية الضخمة، بقيادة المارشال فون باولوس (خطة بربروسا)، اجتاحت أراضيهم عام 1941 في غضون أسبوعين فقط، لكنها اضطرت بعد ذلك إلى خوض معركة خاسرة استمرت عامين، نتيجة تصاعد عمليات المقاومة وحرب العصابات ضد الغزاة.

وقد يشهد العام الجاري تكراراً للتاريخ، من خلال هجمات أوكرانية جديدة بأسلوب حرب العصابات، تستهدف البنية التحتية الروسية الرئيسة، بدءاً من الجسر الذي كلّف 18 مليار دولار، وبناه بوتين لربط شبه جزيرة القرم بالبر الروسي.

وبوصفها مختبراً لتطوير الأسلحة والتكتيكات الحربية الجديدة، قد تكون أوكرانيا مفيدة لحلف «الناتو»، إذ إنها تحتكر أكثر من نصف القدرات العسكرية غير النووية الروسية، في حرب لا يمكن الفوز فيها. وقد يكون ثمة إغراء كبير لترك الأمور تسير كما هي، لكن الحقيقة أن الناس يموتون كل يوم في هذه الحرب غير الضرورية وغير المرغوب فيها، والتي لا يتعذر النصر فيها.

لذلك، ينبغي أن يُنظر إلى تعزيز قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها على أنها سبيل نحو السلام التفاوضي، وليست ذريعة لإطالة أمد الحرب. وعلى الرئيس ترمب أن يُحيي محاولاته للوساطة من جديد، مع إدراكه هذه المرة أن بوتين لا يزال يملك أوراقاً في هذه اللعبة القاتلة، بينما زيلينسكي هو الآخر ليس خالي الوفاض، كما كان يظن البعض.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوكرانيا المرحلة التالية من الحرب أوكرانيا المرحلة التالية من الحرب



GMT 10:05 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شفافية في المعلومات والأرقام يا حكومة

GMT 10:04 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

معلقات اليمن

GMT 10:03 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

العصا الرقمية... والهشّ على الغنم

GMT 10:02 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في عشق السلاح...

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا المتحدة... وليبيا المُنقسِمة

GMT 09:59 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

في ذكرى استقلال ليبيا... ماذا أبقيتم للأجيال المقبلة؟

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 09:57 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم... أفراح القلوب المكسورة

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 09:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:27 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:48 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:49 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:22 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

محمد جنيدي يشيد بالموافقة على قانون الإفلاس

GMT 17:17 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

سيد رجب يتعرض للسرقة والنصب فى مسلسل لينك

GMT 07:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الخميس 8 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt