توقيت القاهرة المحلي 12:11:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لماذا تُغيّر الدول أسماءَها؟

  مصر اليوم -

لماذا تُغيّر الدول أسماءَها

بقلم - عبد الرحمن الراشد

هل لبلدٍ ضاربةٍ جذورُه في التاريخ، وعملاقٍ في المساحة والسكانِ، بحجمِ الهند، أن يغيّرَ اسمَه؟

يبدو الأمرُ غريباً؛ لأنَّ اسمَ الهندِ من شهرته صارَ من أسمائنا، لكنَّ دولاً عدة سبقت الهند واستحدثت لنفسها اسماً جديداً أو استنبطته من تاريخها.

نحن نعرفُ الهندَ عالمياً على الخريطة، وعلى الأرضِ، أكثرَ من بهارات. المعارضون للتغيير يتَّهمونَ حزبَها الحاكمَ بأنَّه يريد أن يغريَ التيارَ الشعبيَّ في حمى الانتخابات العام المقبل، ووضع اللائمةِ على المستعمرين الإنجليز.

الحقيقة، كلُّنا نعرف الهندَ بالهند قبل الإنجليز، العربُ والرومانُ والعالمُ كانَ يسميها الهند منذ ألفيْ عام.

مع ذلك، يجوزُ للهند ما جازَ لسريلانكا التي تخلَّت عن اسمِ سِيلان، وكان يسميها العربُ الأوائل «سَرَنْدِيب». وبورما صارت ميانمار، ونسمي أهلها البرماويين. وبنغلاديش التي كانت تُسمى باكستان الشرقية، والكونغو بعد استيلاء موبوتو على السلطة سمَّاها زائير، وبعد أن استولَى على نفس السلطة كابيلا أعاد تسميتَها الكونغو، ولا تزال. وروسيا صارت مجردَ اسمٍ داخل الاتحاد السوفياتي، وبعد سقوطِ الشيوعيةِ عادت إلى روسيا. ولا ننسى مصرَ، عبد الناصر عندما اتَّفق مع القوتلي على اتحاد مصر وسوريا قرَّر تسميةَ البلدِ الجديد بالجمهورية العربية المتحدة، وتخلَّى عن مصر؛ الاسم الذي عمرُه أكثرُ من ثلاثةِ آلافِ سنة. وبعد ثلاثِ سنوات وقع انقلابٌ في سوريا التي قرَّرت استعادةَ اسمِها التاريخي. وبعد عشرِ سنواتٍ تُوفي عبد الناصر وجاءَ السادات، الذي أعادَ مصرَ إلى اسمِها التاريخي، وتخلَّى عن المشروعِ القومي برُمَّتِه.

الهندُ ستقرّرُ من خلال مساراتِها التشريعية والسياسية، مع أنَّ المحكمةَ العليا رفضتِ التغييرَ، أيَّ اسمٍ تحب أن يسميَها به العالم. وقد تابعتُ النقاشَ الدائرَ هناك، حيث عبَّرت فئاتٌ ليست بالقليلةِ عن اعتراضها، وتريد الإبقاءَ على الهند. تقول الأصواتُ المعترضةُ إنَّ حزبَ «باراتيا» أو «بهاراتيا»، الحاكمَ، وراءَ التغييرِ من قبيل الشعبوية، وفي الهندِ حزبان رئيسيان هو أحدهما.

البهاراتيون يقولون إنَّ الإنجليزَ هم من سمَّوا الهندَ الهندَ، ويريدون التَّخلصَ من رواسبِ الاستعمار. وهذا الأمرُ ليسَ دقيقاً؛ فالهند مثلُ الأممِ التاريخية، روما واليونان ومصر وفارس، أعرف بهذه الأسماء لأكثرَ من ألفي عام. العربُ، حتى قبل الإسلام وقبل اجتياح المغول للهند، كانوا يرحلون إليها ويسمونها في أدبياتهم الهندَ، وشرقَ السند. عرفوها من خلال التجارة ورحلاتِ القوافل. كانت مصدراً للنسيج واللآلئ والسيوفِ والبهارات. وبهاراتُ بالفعل من أسمائِها القديمة، إنَّما لم يشتهر مثل اسم الهند. الإنجليز حافظوا على اسمِها التاريخي ورفعوا من مكانتِها بين مستعمراتِهم، جعلوها مركزاً يحكمون منه آسيا وأفريقيا.

على أية حال، ما سيختاره الهنود أو البهاراتيون، سيقبل به العالم، فهو شأنُهم، خاصةً أنَّنا نعيش في حقبة لم نعد كيف نسمي مَن بماذا، ولم يعد مهماً رأي الآخرين كثيراً. ناديَّ المفضل لكرة القدم الأميركية في واشنطن دي سي، كانَ اسمُه ريدسكن (ذو البشرة الحمراء، أو الهنود الحمر). هذا اسمه من عام 1933، وفي عام 2020 ومع الهيجان الاجتماعي في ذلك العام، قرَّر النادي أن يسمي نفسَه كوماندرز (القادة)، ويتخلَّى عن اسمِه الأصلي، مع أنَّ الأميركيين الأصليين قالوا في استفتاء واسع إنَّهم لا يعدون الريدسكن اسماً مهيناً. فتح ذلك الباب على ملاحقةِ التسميات التاريخية والفنية وحتى الجنسية، الذكر والأنثى، والحيوانات والأشياء، وفي الأخير سنضطر إلى أن نسميَ «الأشياءَ» ليس بأسمائها، بل بما يفرض علينا أن نسميَها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تُغيّر الدول أسماءَها لماذا تُغيّر الدول أسماءَها



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

عند الأفق المسدود فى غزة!

GMT 08:35 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

من رأس البر!

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon