توقيت القاهرة المحلي 05:21:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد؟!

  مصر اليوم -

هل هناك استعمار جيد

بقلم : عماد الدين حسين

بعض الجهلاء والسذج فى البلدان العربية والذين لا يقرأون التاريخ، يرددون بحسن نية حينا وبغباء فى أحيان كثيرة، تمنياتهم بعودة الاستعمار للمنطقة، لأنه من وجهة نظرهم الضحلة، سيجعل حياتهم أفضل كثيرا مما هى عليه الآن فى ظل الحكم الوطنى.
إلى هؤلاء السذج أدعوهم إلى قراءة مغزى الانسحاب الأمريكى المتعجل من أفعانستان هذه الأيام، أو من فيتنام عام ١٩٧٥ أو الانسحاب الإسرائيلى اضطرارا من جنوب لبنان عام ٢٠٠٠. أو أن يقرأوا تاريخ الاستعمار والاحتلال فى أى مكان وزمان، ليدركوا خطأ وخطيئة تصوراتهم، وأنه لا يوجد احتلال أو استعمار جيد بل سيئ فى كل الأحوال، والفارق فقط فى نوع القفازات والقيود، وهل هى حريرية أم حديدية، لكنها تظل فى النهاية قفازات وقيودا.
الولايات المتحدة تنسحب بسرعة شديدة هذه الأيام من أفغانستان، بعد احتلال مستمر منذ عام ٢٠٠١.
عشرون عاما من الاحتلال كانت حصيلتها أكثر من ثلاثة ملايين قتيل أفغانى، ما بين مدنى وعسكرى، مقابل ٢٤٠٠ قتيل أمريكى وخسائر أكثر من تريليون دولار، ناهيك عن الخسائر النفسية والاجتماعية والاقتصادية والتى لا تقدر بثمن وسيدفع ثمنها الأفغان لعشرات السنين.
أمريكا غزت أفغانستان فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١ بعد أقل من شهر من تفجيرات ١١ سبتمبر فى الولايات المتحدة، والهدف المعلن وقتها القضاء على تنظيم القاعدة. وحكومة طالبان التى تدعمه، ثم تطور الهدف إلى إقامة حكم ديمقرطى فى أفغانستان، والنهوض بمستوى الحياة هناك.
والسؤال: ما هى النتيجة بعد عشرين عاما من الاحتلال؟!
لا شىء، بل إن الأوضاع فى أفغانستان صارت أسوأ من الحال الذى كانت عليه قبل عشرين عاما تحت حكم طالبان.
هل معنى ذلك أننى أروج لحكم طالبان؟!
الإجابة بالطبع هى: «لا» قاطعة، فهذا الحكم وتحالفه مع «القاعدة»، كان سببا جوهريا فى الكثير من الكوارث التى أدت لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وهو الذى مكن كل أعداء العرب والمسلمين من تنفيذ مخططاتهم.
لكن رأينا فى طالبان والقاعدة شىء، والترويج للاحتلال الأمريكى شىء آخر تماما.
شىء من هذا القبيل أن بعض العرب يقول إن أوضاع الفلسطينيين أفضل كثيرا تحت الاحلال الإسرائيلى، مقارنة بحكم السلطة الفلسطينية فى الضفة الغربية أو حتى حركة حماس فى غزة. ورغم العديد من الملاحظات على السلطة وحماس وانقسامهما، إلا أنه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن نقارنهما بالاحتلال الإسرائيلى العنصرى والفاشى والهمجى لفلسطين.
الاحتلال ــ أى احتلال ــ يدخل المنطقة فيقتل ويدمر ويعطل ويسلب ويسرق الموارد وثروات الشعوب، وما فعلته أمريكا فى أفغانستان، وقبل ذلك فى فيتنام واضح وضوح الشمس.
السؤال الذى يفترض أن يسأله دعاة «الاستعمار الجيد» لأنفسهم هو: لماذا يؤيد غالبية الأفغان حركة طالبان، رغم كل تطرفها وظلاميتها ولا يؤيدون الحكومة المدعومة من الاحتلال الأمريكى رغم أنها تتحدث كثيرا عن الحرية والديمقراطية والمدنية والحداثة؟!
الإجابة ببساطة أن النفس السوية ترفض الاستعمار وأعوانه مهما كانت الشعارات براقة، لأن الاحتلال يظل احتلالا رغم كل كلماته المعسولة.
بل حتى من مفهوم أخلاقى يهرب الاحتلال الأمريكى بسرعة، تاركا خلفه معظم من تعاونوا معه أو ساعدوه، باستثناءات قليلة وهو الأمر الذى تكرر كثيرا مع الاحتلال الإسرائيلى للجنوب اللبنانى، أو الأمريكى لفيتنام.
وعلينا أن نتذكر نتائج الاحتلال الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٣، وادعاءاته بأنه سيؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، لكنه أعاد العراق عقودا إلى الوراء، وقدمها هدية على طبق من ذهب للقوى المتطرفة والطائفية، وهو ما تحاول الحكومات الحالية إصلاحه.
مرة أخرى: هل يعنى رفض الاحتلال أننا ندافع عن صدام حسين الذى كان بسياساته سببا فى هذا الاحتلال، أو نظام طالبان، أو حركة حماس؟
الإجابة مرة أخرى هى: «لا»، ثم «لا»، ثم «لا».
لكن لا يعنى رفضنا لهذه الأنظمة المتسلطة والمستبدة وغير الديمقراطية، أن نؤيد الاستعمار الذى استغل وجود هذه الأنظمة ليحقق أهدافه فى سرقة ثروات هذه الأوطان.
الاحتلال هو الاحتلال، هو سيئ دائما وينبغى مقاومته ودحره، وبعدها تكون الخطوة المهمة وهى معالجة الأوضاع والظروف التى أدت إلى وجوده، وإذا لم يحدث ذلك، فسوف يعود هذا الاستعمار بصورة أخرى بعد فترة من الزمن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك استعمار جيد هل هناك استعمار جيد



GMT 05:08 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 05:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 04:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

GMT 04:52 2024 السبت ,18 أيار / مايو

«كايسيد»... الحوار والسلام في عالم متغير

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:00 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة
  مصر اليوم - الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة

GMT 21:38 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

سمير صبري يُطمئن الجمهور بعد تعرضه لحادث

GMT 16:11 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

آيس كريم الفانيلا

GMT 09:05 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طقس الثلاثاء في مدن ومحافظات مصر

GMT 16:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اليونايتد يرفض طلب مانشيتر سيتي قبل الديربي

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

خنازير البحر أبرز الأنواع المعرّضة إلى خطر الانقراض

GMT 22:56 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

رجل مقنّع يثير الرعب بين نساء مدينة بريطانية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد أداء مناسك العمرة الأربعاء

GMT 22:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ندوة "لا تغضب" عن الإعجاز العلمي في صيدلة الفيوم

GMT 04:18 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

المصمم اللبناني إيلي صعب يطرح مجموعته لربيع وصيف 2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon