توقيت القاهرة المحلي 12:35:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مستقبل معقد وصعب وغريب

  مصر اليوم -

مستقبل معقد وصعب وغريب

بقلم - جميل مطر

تكثر هذه الأيام فى عديد مواقع التأثير والنفوذ الكتابة والتفكير عن مستقبل العالم. بعض ما يتردد من أفكار واجتهادات وينشر أو يتسرب يعكس حالة أقرب ما تكون إلى الحالة السابقة مباشرة للمراحل الثورية التاريخية، مراحل وقعت فيها تحولات جذرية فى منظومات فكرية وعقائد دينية وسياسية واجتماعية، مراحل شهدت كثرة فى مظاهر ومؤشرات وبوادر انحدار أو صعود امبراطوريات وقوى عظمى، ومنظومات فكرية سياسية واجتماعية رسخت لعقود أو قرون، وعقائد دينية انتسب أو ينتسب لها ملايين أو بلايين البشر، شهدت أيضا موجات هجرة كثيفة من أقاليم إلى أخرى حاملة معها شذرات أو كتلا من المفاهيم والممارسات المختلفة فى الجوهر والمظهر عن السائد فى الأقاليم المستقبلة للهجرات، حاملة أيضا مزيجا قلقا من خيبات أمل عميقة وأحلام صعبة المنال.
أشهد بأن الظاهرة، وأقصد الحالة «الثورية» أو «الحالة ما قبل الثورية» الراهنة فى عالم اليوم، صارت تعكس نفسها فى كثير من سلوكيات وكتابات وخطب مسئولين ومفكرين لهم قيمتهم ومكانتهم فى مجتمعاتهم، وبالتالى تؤثر مباشرة وبعمق فى معتقدات شعوبهم وسلوكياتها. أخص بالمثال مجموعات من مؤشرات راهنة للتغيير القادم، أو المحتمل، فى أربع حالات، وهى الحالة الأمريكية والحالة الإسرائيلية والحالة الأوروبية والحالة الدينية إن صح التعبير على ضوء شهادة لافتة للنظر والاهتمام صادرة عن، أو باسم، بابا الفاتيكان. كلها معا بالإضافة إلى مؤشرات أخرى لحالة فى الهند وحالات من نوع مختلف فى اكوادور وهايتى وميانمار وحالات عربية فى أربع أو خمس دول على الأقل، أقول كلها معا ترسم خريطة تؤذن بمستقبل للعالم عنيف ومحفوف بمخاطر جمة.
على كل حال تختص هذه المقالة الموجزة بأهم هذه الحالات، على الأقل فى اللحظة الراهنة، باعتبار أن التطورات فى كل مكان تحدث بسرعة فائقة وبغير نظام.

• • •

الحالة الأمريكية: حالة أراقبها عن كثب منذ مدة غير قصيرة، ولعلها أهم الحالات باعتبار مكانة أمريكا كقطب أعظم فى نظام دولى لا يزال يحمل صفة أو عنوان نظام أحادى القطبية. لفت نظرى إليها فى بداية الأمر، وأقصد ببداية الأمر المرحلة التى انفردت فيها أمريكا بالقمة الدولية، درجة من انحناءة تلمح لو استمرت أو تزايدت إلى احتمال دخول أمريكا فى مرحلة انحدار فى القوة الكلية وفى المكانة، متناسب مع صعود متدرج ولكن حثيث من جانب الصين.
أعتقد، مستندا إلى وقائع بعينها، أن الانحدار حدث. صار واقعا فى السياسة الدولية ولم يعد مجرد احتمال، ومع الوقت وفى ظل تطورات عديدة صار أمرا مقلقا وتهديدا حقيقيا لمستقبل الولايات المتحدة. لم يعد سرا أو خبرا مكتوما أن هواجس عديدة أصبحت تخيم على أجواء العمل السياسى. من أهم هذه الهواجس وبخاصة تلك التى كشف عنها بوضوح كبير وبقلق بالغ الحديث المتكرر عن احتمالات نشوب حرب أهلية فى زمن قريب فى الولايات المتحدة. قيل لى من رفاق أمريكيين لهم قيمتهم فى منظومة العصف الفكرى، أن الحديث عن حرب أهلية فى أمريكا مبعثه الاستقطاب السياسى المتزايد داخل المجتمع الأمريكى من ناحية والزيادة الكبيرة فى هيمنة الميول القومية المتطرفة داخل قطاع السكان البيض ضد المهاجرين والأقليات الأخرى. هذه الميول استجاب لها قادة سياسيون وقيادات فى الحزبين الحاكمين مثل دونالد ترامب وجو بايدن اللذين رفعا شعارات من نوع «استعادة أمريكا قوية مرة أخرى».

• • •

اختلف المحللون على توصيف وليس على تشخيص مستقبل أمريكا. هناك أكثرية وبخاصة فى صفوف الإعلاميين ومن علماء السياسة تعتقد أن القادم حرب أهلية. من هؤلاء باربرا والتر عالمة السياسة التى أعلنت أن الحرب الأهلية قادمة لا محال والأسباب فى نظرها عديدة وواضحة أهمها أن النظام القائم بوضعه الحالى غير قابل للإصلاح. هناك على الجانب الآخر من يرفض احتمال نشوب الحرب ولكنه لم يستبعد نشوب حالة من العنف قابلة للاستدامة، وعلى رأس هذا النفر من المحللين ريتشارد هاس رئيس المجلس الأمريكى للسياسة الخارجية.

• • •

يقول ريتشارد هاس ما معناه إنه لا يستبعد أن يحدث فى الولايات المتحدة حالة من العنف المستدام على نمط الحالة الأيرلندية. من مؤشرات هذه الحالة المستدامة من العنف على سبيل المثال وليس الحصر أحداث العنف ضد المدارس والأسواق التجارية والزيادة الملحوظة فى اتجاهات التطرف القومى ضد المهاجرين اللاتينيين والابتعاد الواضح عن التمسك بقيم الديموقراطية والحقوق والحريات، وهو ما كشفت عنه عملية غزو الكابيتول، مقر السلطة التشريعية احتجاجا على عدم فوز ترامب فى الانتخابات الرئاسية الماضية. هنا لا بد أن نتذكر جزءا من خطاب انتخابى ألقاه المرشح الرئاسى فى الانتخابات القادمة دونالد ترامب بلسانه وليس نقلا عنه، تعمد فيه أن يصف شعوب أمريكا اللاتينية بأنهم ليسوا بشرا، وهو الجزء من الخطاب الذى حظى بتصفيق شديد وتداولته بالتعليقات والاهتمام معظم أجهزة الإعلام.

• • •

لم أذكر أن وزارة الأمن الداخلى الأمريكية فى تقرير حديث لها كانت قد تنبأت بأن الانتخابات الرئاسية التى ستجرى هذا العام قد تشهد، أو تسفر، عن عنف محتمل. المدهش فى الأمر أن الرئيس السابق ترامب هدد فى خطاب انتخابى عقد قبل أيام بأن حماما من الدم سوف يقع فى حال لم يفز فى انتخابات نوفمبر القادم. وبالفعل ففى كثير من التصريحات والتعليقات الصحفية الأمريكية التى أيدت نفس الاحتمال أو تصدت له وردت الإشارة إلى أن الاحتمال كبير أن لا تعود أمريكا إلى نظامها الديموقراطى بعد انتخابات هذا العام. الأغلب أنها ستعود بنظام استبدادى ومتطرف قوميا وعنصريا.

• • •

وسط هذه المواقف ظهر موقف هو الأشد تشاؤما. إذ أعلن أفراد عن نظرية سياسية جديدة تجد مؤيدين غير قليلين، تدعو النظرية إلى ضرورة «تسريع» عملية الانحدار للوصول بالسرعة الممكنة وفى أقصر وقت ممكن إلى محطة النهاية، أى إلى المصير المحتوم، وحينها يبدأ التغيير وإلا ستبقى أمريكا فى هذا الوضع من العنف الداخلى وتخبط الإرادة والخضوع لما يسمى ابتزاز المهاجرين والدول الحليفة فى أوروبا وغيرها كإسرائيل وتايوان للحصول على الدعم المالى والعسكرى الأمريكى رغم الظروف الصعبة التى يمر فيها الاقتصاد الأمريكى.

• • •

أمريكا قطب أعظم. انحدرت مكانتها وتراجعت الثقة فيها وبخاصة فى الآونة الأخيرة نتيجة تخبط سياستها الخارجية وارتباكها. لكنها تبقى إلى حين لا نعلم مداه قطبا أعظم له دوره فى صنع السلم كما له دور فى تخريب أمن وفى إبادة شعوب كالحادث الآن مع شعب فلسطين فى غزة. نعيب عليها انزلاقها وراء إسرائيل وهو الانزلاق الذى كشف عن مدى الضعف الذى تسرب بالفعل إلى قلب وأحشاء القطب الأعظم الذى كثيرا ما عشنا معه أحلام الحرية وقدسية الحقوق ومنها حق تقرير المصير فتخلى عنا، أو لعله هو نفسه يستعد ليتخلى عن نفسه بتخليه عنها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل معقد وصعب وغريب مستقبل معقد وصعب وغريب



GMT 07:51 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

«عيد القيامة» و«عيد العمال»... وشهادةُ حقّ

GMT 07:48 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

فقامت الدنيا ولاتزال

GMT 07:45 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

حاملو مفتاح «التريند»

GMT 07:42 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

متى يفيق بايدن؟!

GMT 07:39 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

ممنوعات فكرية

GMT 03:11 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

الدولة

GMT 03:08 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

مسألة الديمقراطية وسياسات التثوير

GMT 03:06 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

معركة خطرة وشيكة في السودان

GMT 20:19 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

انطلاق بطولة المدارس الأولي للكرة النسائية في مصر

GMT 10:43 2020 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

هاشتاغ ستاد القاهرة للرجال فقط يتصدر تويتر

GMT 00:51 2020 الخميس ,30 كانون الثاني / يناير

موسكو تستضيف مهرجان مسرحي للصم بحضور فنانين من 9 دول

GMT 11:08 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الزمالك يهاجم الأهلي بعد التعاقد مع محمود كهربا

GMT 20:37 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مديحة يسري وخلافها مع محمد فوزي بسبب قبلة

GMT 01:25 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

بنات أحمد زاهر تثيران الجدل على السوشيال ميديا

GMT 05:56 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

ثقافة القاهرة تتناول "موسوعة المشاهير.. الزعيم أحمد عرابي"

GMT 22:39 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

بعد تعرضه لكسر هذه حالة شعبان عبدالرحيم الصحية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon