توقيت القاهرة المحلي 15:10:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انطباعات سيلان.. زيارتان وشتان بينهما

  مصر اليوم -

انطباعات سيلان زيارتان وشتان بينهما

بقلم - جميل مطر

بعد أسابيع قليلة من استلامى العمل بسفارتنا فى نيودلهى وصلتنا رسالة من الديوان العام فى القاهرة. احتوت الرسالة على تكليف السفير بالسفر إلى كولومبو عاصمة دولة سيلان لتقديم أوراق اعتماده سفيرا غير مقيم لدى حكومتها. اتصل مستشار السفارة بمكتب المفوضية العليا لسيلان فى العاصمة الهندية لترتيب برنامج الزيارة وتحديد مواعيدها وإصدار تأشيرات دخول للسفير ومساعد له. بصفتى الأصغر والأحدث فى هيئة السفارة كنت هذا المساعد.
• • •
قضينا ليلة فى بومباى فى فندق تاج محل، أرقى فنادق الهند فى ذلك الوقت. نزلنا فيه ضيوفا على شركة الطيران الأمريكية التى تعهدت بنقلنا إلى كولومبو مساء اليوم التالى. هناك وجدنا فى استقبالنا بالمطار مسئولا كبيرا من الخارجية وفى صحبته شاب صغير قدمه لنا على أنه الدبلوماسى المكلف بمرافقتنا خلال مدة وجودنا فى الدولة. ارتحت للشاب الذى كان فى مثل عمرى أو أكبر بسنة أو اثنتين وأظن أنه ارتاح لى بدليل أنه راح يلمح إلى فكرة أن نخرج معا لنسهر فى ملهى ليلى بعد أن يأوى السفير إلى جناحه فى الفندق.
• • •
كنت بالفعل تواقا للتعرف على مدينة قرأت عنها أنها أكثر تحررا من نيودلهى وأخف روحا إن صح التعبير. بدأنا التنفيذ لسهرة استطلاع. صعد الشاب معى إلى غرفتى لأستعد للخروج إلى السهرة وليتصل بالملهى المناسب لحجز مائدة لنا. أسر لى بأن لا أقلق بشأن النفقات فالتعليمات لديه تقضى بأن يوقع على جميع فواتير الضيوف فالضيافة المقررة لزيارتنا تغطى كافة ما نقوم به من أنشطة. شعرت أن الشاب قد اتخذ قرارا قبل وصولنا بأن ينتهز فرصة وجودنا ليقضى هو نفسه وقتا ممتعا على نفقة الدولة.
• • •
دار بيننا حديث بينما كنت أرتب فى خزانة الملابس ما احتوته حقيبة سفرى، فهمت منه أنه يريد أن أترك سيلان وأنا، حسب تعبيره، عاشق لها. جلس يحكى عن شاطئ هو الأحلى بين شواطئ المحيط، أحلى من المالديف وسيشل، وعن جبال ومدن فيها أروع من مثيلاتها فى سويسرا. انتهيت من تغيير ملابسى وبدأت أطفئ مصابيح الكهرباء عندما دق جرس الهاتف. السفير فى جناحه على الخط يطلب أن «نعمل حسابه» من الآن فصاعدا فى جميع خططنا. ضاعت الفرصة وأجهض الحلم.. أجهض مؤقتا ليعود يتحقق عندما عدت إلى سيلان بعد مرور حوالى عشرين عاما وقد تغير اسمها إلى سريلانكا.
• • •
عدت إلى كولومبو ضمن وفد الجامعة العربية إلى مؤتمر قمة عدم الانحياز. كان محمود رياض يستعد للتخلى عن منصبه كأمين عام فكلف أحد مساعديه وهو السفير والوزير السابق محمد رياض بتشكيل ورئاسة وفد الأمانة العامة للجامعة لحضور المؤتمر لمهمة تنسيق أعمال وأنشطة الوفود العربية فى المؤتمر. كلفنى بقرار آخر أن أكون نائبا لرئيس الوفد. قضينا فى أعمال المؤتمر أياما عديدة ثم قضيت فى ضيافة الصديق مهاب مقبل القائم بأعمال السفارة المصرية أياما إضافية نعمت فيها بكرم نادر فى الاستضافة ورحلات إلى أنحاء شتى فى سيلان. تغير قبل سنوات قليلة من انعقاد المؤتمر اسمها الإنجليزى النشأة إلى سريلانكا، الاسم المتعدد الأصول والمعانى، فهو، حسب ما فهمت وقتذاك، يجمع بين العربى والفارسى والسانسكريتى.
• • •
كان بين أحلامى المتواضعة فى ذلك الحين حلم أن أشرب الشاى السيلانى الأصلى فى بلد نشأته. أشربه كما كان يشربه الإنجليزى، مزارعا كان أم تاجرا أم مستوطنا. لذلك اخترت مع مرافقنا خلال الزيارة الأولى أن نزور مدينة كاندى، موطن الشاى السيلانى، وأن نشربه بالطريقة نفسها التى كان يعد بها فى زمن الاستعمار الإنجليزى. فاتنى أن أطلب صحبة بعينها يتماشى وجودها مع تقاليد وأجواء شرب الشاى. ففى تلك الزيارة كنا مجبرين على اصطحاب السفير وخصاله المعقدة وملابسه القاتمة وكلماته الملغمة بالقنوط واليأس، بينما فى الزيارة الثانية كانت مجالات الاختيار واسعة ورحبة. معذورة المقارنة بين الزيارتين إذا فرضت نفسها علينا وعلى طباعنا منذ ذلك الحين.
بالمقارنة تأكدنا من أن لشرب الشاى طقوسا. أول طقس فيها حسن اختيار رفاق المناسبة وموقعها. يعنى مثلا أن نشرب الشاى السيلانى فى جو برودته ناعمة وودودة، جو غائم تطل علينا من خلال غيومه جبال خضرتها زاهية، وعلى الصحون أمامنا رقائق خبز ممسوح بالزبدة وبعضها تغطيه طبقة أخرى من شرائح رقيقة من الخيار الطازج. محرم فى هذه المناسبة المزج بين شرب الشاى السيلانى والحديث فى السياسة واستحضار المآسى كما حدث معنا فى الزيارة الأولى التى حضرها السفير. مسموح بل ضرورى أن تتولى امرأة صغيرة فى السن أو كبيرة مسئولية الإشراف على حسن سير المناسبة ابتداء من تفريغ الماء الساخن فى براد الشاى بتوقيتات دقيقة وتعويض ما استهلك من رقائق الخبز فى صحون شركاء المناسبة، مناسبة شرب الشاى. وبالفعل وربما لتوفر هذا الشرط فى الزيارة الثانية التى جرت بعد عشرين عاما احتلت سيلان باسمها الجديد مكانة متميزة فى ذاكرتى.
• • •
عشت بعد رحلة كاندى الثانية أحرص على عدم تفويت فرصة أو دعوة لمناسبة شرب الشاى. حضرتها فى نوراليا، المنتجع الرائع فى جماله وبرودته وفى مستوى نزلائه. استمتعت فى نوراليا بكثير مما افتقدته فى مواقع ومنتجعات أخرى فى سريلانكا، وخلال زياراتى المتكررة لمدينة لندن أو إدنبره ثم فى سنتياجو بدولة التشيلى فى جنوب أمريكا لم يفتنى متابعة ما طرأ على هذه المناسبة من تطور فى طقوسها، حتى اسمها طاله التغيير فى تشيلى فصار «أونسى» أى «الحادية عشرة» ولدى عائلات تسكن حيا بعينه فى بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين.
• • •
طقوس شرب الشاى وجمال منتجعات سيلان وأمور أخرى اكتشفتها فى رحلتى الثانية إلى هذا البلد الجميل جعلتنى أحتفظ لسيلان بأحلى الذكريات عن رحلاتى فى الخارج. قضيت فى هذا البلد وقتا ممتعا وخرجت من الزيارة الثانية بصفة خاصة بباقة متنوعة التجارب والخبرات وباقة أحلى من الأصدقاء والصديقات، ومن الزيارة الأولى بتوصية ألا أكون فى أخلاق أو طباع أو قدرات السفير عندما أتقدم فى السن وأرتقى فى السلك الدبلوماسى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انطباعات سيلان زيارتان وشتان بينهما انطباعات سيلان زيارتان وشتان بينهما



GMT 09:13 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مبروك للأبيض.. عقبال الأحمر

GMT 09:11 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

ماذا بعد رئيسى؟

GMT 08:04 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

فى تكريم الزعيم

GMT 08:01 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

زواج الملياردير الأمريكى فى مصر!

GMT 08:00 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

حتى لا تستمر مصر مهيضة الجناح فى 2025!

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

الإشكالية الفلسطينية الكبرى

GMT 07:56 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تل أبيب تغسل يديها

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

الاعتدال الذى تكرهه إسرائيل

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال

GMT 15:00 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

محمد الحنفى يؤكد انتظاره إدارة القمة منذ 3 سنوات

GMT 05:38 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

انطلاق أول رحلة لطائرة في الصيف "Stratolaunch"

GMT 10:06 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

هادجنز تتألق في تقديم مجموعة "سينفول كلورز"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon